عقدة العراقيين المعقدة
أخر الأخبار

عقدة العراقيين المعقدة!

عقدة العراقيين المعقدة!

 لبنان اليوم -

عقدة العراقيين المعقدة

بقلم : محمد واني

أظهرت بحوث ودراسات كثيرة أن العراقيين لديهم خصوصية ثقافية ودينية واجتماعية تختلف عن باقي شعوب المنطقة.

 وتبرز هذه الخصوصية من خلال شخصياتهم المتناقضة القلقة التي لا تستقر على حال، يتقلبون بسرعة البرق من نقيض إلى آخر، وكأنهم يخفون في أنفسهم عدة شخصيات ووجوه وأقنعة متعددة.

 وقد تجد أحدهم طائفيًا متشددًا يعمل على نشر فكرته، ولكنه وفي الوقت ذاته يدعو إلى الفكر العروبي "الشوفيني"، وقد تراه منظرًا ديموقراطيًا كبيرًا لا يكل ولا يمل من الدعوة إلى الحرية وتطبيق الدستور وممارسة الديموقراطية، ولكنه يمارس الديكتاتورية والقمع على أرض الواقع.

 فهو يدعو إلى الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي، ولكنه عمليًا يفعل كل ما من شأنه تقسيم البلاد وتمزيقها، كما لمسنا ورأينا ذلك من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وأعضاء من حزبه؛ حزب الدعوة الإسلامية، طوال سنوات حكمهم.

 يدعون لشيء ويعملون لشيء آخر.. وأيضًا لمسناه من رئيس النظام السابق صدام حسين، عندما غزا الكويت عام 1991 وهي دولة عربية ذات سيادة وعضو في الجامعة العربية، رغم ادعائه العروبة والأخوة العربية ورفعه شعارات الوحدة العربية وتأكيداته المستمرة على حرمة الدم العربي..

 وقد يكون للأحداث التاريخية التي مرت على العراق والعراقيين، دور كبير في ترسيخ هذه الصورة الانفصامية المعقدة في الشخصية العراقية، وخاصة حادثة مقتل الحسين في كربلاء، وتداعياتها الخطيرة على فكر وثقافة العراقي على مدى عصور طويلة.

 والقصة التي ما زالت تتفاعل وتؤثر في الواقع، هي أن العراقيين بعد أن دعوا الحسين إلى العراق لمبايعته غدروا به وقتلوه، وقبل أن يلقى الحسين حتفه وهو في طريقه إلى مدينة الكوفة العراقية جرى بينه وبين الشاعر المشهور الفرزدق حديثًا كما ترويه كتب التراث.

 سأله الحسين عن أحوال أهل الكوفة وموقفهم منه، رد عليه الشاعر بقولته المشهورة؛ قلوبهم معك ولكن سيوفهم مع بني أمية! .. هذه الحادثة تظهر مدى وله العراقي بلعب دور شخصيات مختلفة ومركبة في آن واحد؛ المجرم والبريء، والقاتل والضحية، والصالح والطالح، الشرير والخيّر، والفاسد والنزيه، وغيرها من الصفات المتناقضة.

 وقد تراه مثقفًا ثقافة واسعة وأكاديميًا ملتزمًا بالمناهج العلمية الصارمة، متفوقًا في مجال عمله، يدعو إلى التقدم والتحضر، ولكنه مع ذلك يؤمن حد التطرف بالخرافات والأساطير والطقوس والشعائر الطائفية التي ما أنزل الله بها من سلطان.

 وقد شاهد الناس من خلال شاشات الفضائيات الدكتور حسين الشهرستاني، وهو عالم ذرة عراقي عمل باحثًا علميًا في مراكز البحوث النووية لفترة، ونائبًا سابقًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للتعليم العالي والبحث العلمي في حكومة العبادي الحالية وكان يتلو قصة مقتل الحسين بصوت شجي في مجلس عزاء أقامه المالكي في مكتبه بحضور العديد من مسؤولي الدولة المهمين وهم يلطمون صدورهم ويبكون على نبرات صوته!! هذا النوع من الانفصام النفسي الحاد الموجود داخل أكثر العراقيين هو الذي ميزهم عن غيرهم وجعلهم يتميزون بشخصية فريدة من نوعها. يصعب التعامل والتعايش معها في ظل مجتمع واحد ودولة واحدة، وربما لهذا السبب المهم، لم يستطع الكرد الاندماج مع المجتمع العراقي العربي منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921.

 وظلوا يرفضون هيمنتهم عليهم وعلى بلادهم على مدى عقود ولا يستسلمون لهم رغم كل الفظائع والجرائم التي ارتكبت بحقهم.. وقد قام العديد من العلماء العراقيين وغير العراقيين بتحليل هذه الشخصية المعقدة، الصعبة المراس التي يقول عنها العالم السيوسولوجي العراقي الكبير الدكتور علي الوردي أنها تجمع بين البداوة والتحضر، إن اقتربت من العراقي وجدته شخصًا كريمًا شهمًا يأبى الضيم على نفسه وعلى جيرانه ولكن ما إن تندمج معه وتعرفه أكثر، حتى تراه يتمتع بدرجة عدائية عالية، ولا يتوانى عن الغدر والقتل بطريقة قاسية جدًا.

و يصعب على العقل في بعض الأحيان تصورها، كما في المقابر الجماعية التي ملأت العراق وعمليات الأنفال التي حصدت 182 ألف روح بريئة في غضون أيام معدودة، والقصف الكيمياوي على مدينة حلبجة الكردية، والحرب الأهلية الدموية التي جرت بين السنة والشيعة عامي 2006 و2007، والتي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء، وما زالت الجرائم التي ترتكبها الميليشيات المسلحة على الهوية والانتماء الطائفي والعرقي مستمرة.

 ولا أحد يستطيع إيقاف الماكينة العراقية المرعبة من حصد مزيد من الضحايا.. بالأمس كان العراقيون يقتلون بدعوى الدفاع عن العروبة والعرق العربي، والذود عن الوطن! واليوم يقتلون من أجل رفع راية الطائفة والمذهب وسيستمرون في مسلسل الموت غدًا وبعد غد لتحقيق هدف آخر، ما داموا يجدون في النهاية من يفشون عقدتهم المعقدة عليه!!

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقدة العراقيين المعقدة عقدة العراقيين المعقدة



GMT 20:41 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 20:50 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

يحدث عندنا.. ذوق أم ذائقة

GMT 12:52 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

قرار المحكمة الصهيونية مخالف للقانون الدولي

GMT 18:56 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أخونة الدولة

GMT 10:35 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

عدن مدينة الحب والتعايش والسلام

GMT 09:10 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

GMT 10:58 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

وذهب.. سوار الذهب!!

GMT 12:24 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

"عقار جودة" وتسريب الأراضي الفلسطينية إلى المستوطنين

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:39 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
 لبنان اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 19:31 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة
 لبنان اليوم - نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة

GMT 09:03 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 08:47 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

قائمة المنتخبات العربية الأكثر حصاداً للقب أمم أفريقيا

GMT 07:03 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

أشهر 5 مواقع للتزلج في أميركا الشمالية

GMT 18:54 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

رحمة رياض تعود إلى الشعر "الكيرلي" لتغير شكلها

GMT 04:56 2022 الثلاثاء ,05 تموز / يوليو

نصائح للاستمتاع بالجلسات الخارجية للمنزل

GMT 10:04 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

النظارات الشمسية الملونة موضة هذا الموسم

GMT 13:24 2023 الإثنين ,03 إبريل / نيسان

أفضل عطور الزهور لإطلالة أنثوية

GMT 22:52 2020 الثلاثاء ,28 تموز / يوليو

"فولكسفاغن" تبحث عن "جاسوس" داخل الشركة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon