بقلم : عبد الحسين شعبان
ثلاثة عناصر أساسية ساهمت في النصر على داعش في الرمادي، العنصر الأول وجود خطّة ناجحة قامت على محاصرة المدينة وطلبت من العوائل المتبقية مغادرتها، ثم أعطت إنذاراً لمدة 72 ساعة لاقتحامها، وذلك بعد أن فتحت طريقاً لها لمغادرة المدينة.
ارتكزت الخطة على معلومات استخبارية صحيحة كان قسم منها مؤثراً، خصوصاً من داخل الرمادي، كما قامت الخطة على مراحل عدة استخدمت فيها الحرب النفسية سلاحاً مهماً، الأمر الذي أربك قوات «داعش» وجعلها تتخبّط بعد أول هجوم من القوات العراقية المدعومة من قوات مكافحة الإرهاب وقوات العشائر، والمسنودة جوّاً من القوات الأمريكية بشكل خاص، وقوات التحالف بشكل عام، التي شنّت ضربات جوية موجعة على قوات داعش وبعض المواقع المهمة التي يستخدمها، إضافة إلى قطع طريق الإمدادات عنه.
العنصر الثاني لنجاح خطة تحرير الرمادي اعتمد على تفاهمات داخلية، باستبعاد قوات الحشد الشعبي التي لقيت معارضة من الكثير من رؤساء عشائر الرمادي بشكل خاص،
والأنبار بشكل عام، فضلاً عن تشكيكه في دور قوات التحالف الدولي، التي عملت على استبعاده، خصوصاً إن الكثير من الأصوات ارتفعت تندّد بالانتهاكات التي حصلت بعد معركة تحرير محافظة صلاح الدين، وعاصمتها مدينة تكريت. وكانت التفاهمات الداخلية ارتكزت على القوات المسلحة العراقية وشرطة مكافحة الإرهاب ورؤساء العشائر والمسلحين التابعين لهم، وكذلك شرطة محافظة الأنبار، وكان توزيع العمل بين هذه الجهات الأربع عاملاً أساسياً في التقدم السريع لتحرير الرمادي وإلحاق هزيمة كبرى بقوات «داعش»، التي كانت معنوياتها منهارة وهرب الكثير من مقاتليها من أرض المعركة، كما انسحب قسم منها باتجاه الموصل ومناطق أخرى. ويمكن اعتبار خطة تحرير الرمادي بروفة أولية لتحرير الموصل ومناطق أخرى من محافظة الأنبار ومحافظة كركوك، أو بعض المناطق المتنازع عليها من قبضة «داعش»، ولكن هذا لا يعني تطبيق الخطة العسكرية حرفياً أو اقتباسها بحذافيرها، خصوصاً إن سكان الموصل لا يزالون أسرى تحت سيطرة «داعش» ويبلغ عددهم نحو مليون و700 ألف إنسان.
إن سيناريو الرمادي بخطوطه العريضة، سيبقى مقلقاً ل»داعش» إلى حدود كبيرة، ولن ينسى أن هزيمته بمثابة العدّ العكسي لنفوذه، ليس على مستوى محافظة الأنبار وعاصمتها الرمادي المحتلة منذ مارس/آذار العام 2015، بل على مستوى العراق ككل، والأمر سوف لا يتوقّف عند هذا الحدّ، بل إن تراجع «داعش» وتقهقره سيمتدّان إلى سوريا، خصوصاً أن واشنطن وجدت من مصلحتها ترجيح القضاء عليه رغم معارضتها لنظام الرئيس بشار الأسد، وكذلك وجد الاتحاد الأوروبي هدف القضاء على «داعش» المهمة الأساسية والعاجلة، لاسيّما بعد الحوادث الإرهابية التي حصلت في باريس وأدت إلى ردود فعل غاضبة وتعهدات من جانب العديد من الدول الأوروبية تكثيف جهودها العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية ضد «داعش» للقضاء عليه بعد أن أصبح خطراً على أوروبا والعالم، حتى إن ذراعه باتت طويلة وإن مجال نشاطه شمل آسيا وإفريقيا وأوروبا. العنصر الثالث الذي قاد إلى تحقيق نصر حاسم في الرمادي، هو تكثيف قوات التحالف الدولي، ولاسيّما الولايات المتحدة، ضرباتها الجوية خلال الشهرين الماضيين. ففي حين
كان العراقيون بشكل عام، وقوات الحشد الشعبي بشكل خاص، يتّهمون واشنطن وقوات التحالف الدولي بعدم الجدّية، أو حتى عدم الرغبة في القضاء على «داعش»، فضلاً عن عدم فاعلية الضربات الجوّية المحدودة التي تم توجيهها خلال تشكيل قوات التحالف الدولي منذ بضعة أشهر، والتي لم يكن لها تأثير كبير، فإن التحالف الدولي قام خلال الأسابيع العشرة الماضية بضربات جويّة وقصف لمواقع «داعش» وطرق إمداده وتسليحه، بحيث كان لها تأثير ملحوظ في إضعاف قدراته الاقتصادية، وقطع طريق حصوله على موارد النفط، إضافة إلى تنسيقه مع القوات المسلحة العراقية، والتي كان حصيلتها خطة تحرير الرمادي. السبب في ارتفاع منسوب القصف الجوي لقوات «داعش» ومواقعه من جانب التحالف الدولي، هو الدخول الروسي في المعترك السوري، فروسيا قرّرت بثقلها المشاركة مع سوريا للقضاء على «داعش»، الأمر الذي أقلق واشنطن كثيراً من إعلان تحالف رباعي روسي وإيراني وسوري وعراقي، وهو ما دعاها إلى الطلب من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مباشرة، عدم مشاركة الروس في قصف مواقع «داعش» أو توجيه ضربات جوّية ضد قواته، وهو ما دفع العبادي إلى التصريح بأن التحالف الرباعي ليس تحالفاً عسكرياً بما تعني هذه الكلمة من معنى قانوني وسياسي، بل هو خلية استخبارية تستهدف تبادل معلومات بين أطرافها بخصوص تنظيم «داعش» والإرهاب الدولي، وليس أكثر من ذلك.
لقد أدركت واشنطن أن بقاء الوضع على ما هو عليه منذ احتلال «داعش» للموصل في 10 يونيو/حزيران العام 2014 وتمدّده إلى محافظتي صلاح الدين والأنبار، ومناطق من محافظة كركوك وديالى، وصولاً إلى مشارف بغداد، سيضعها في حرج كبير، فالعراق على الرغم من وجود اتفاق بينه وبين الولايات المتحدة والمعروف باسم «اتفاق الإطار الاستراتيجي» الموقّع عليه في العام 2008، إلاّ أنه قد يلجأ إلى خيارات أخرى فيما إذا اضطرّ إلى ذلك، ولا شكّ في إن هناك ضغوطاً داخلية قد تدفعه إلى مثل هذا الخيار، منها أن قوات الحشد الشعبي لا تزال تشير بإصبع الاتهام والشك إلى الدور الأمريكي في مواجهة «داعش»، وثانياً أن العديد من القوى السياسية المؤثرة في البرلمان قد تندفع لإلغاء
اتفاق الإطار الاستراتيجي إن لم يكن فاعلاً، مثلما تمكّنت من إلغاء الاتفاقية الأمنية عند نفاذها في أواخر العام 2011 بعدم تجديدها.
وثالثاً، أن النفوذ الإيراني الواسع سيزداد عمقاً وشمولاً إذا ما بقي الموقف الأمريكي كما هو عليه، أي يقدّم خطوة ويؤخر اثنتين. ورابعاً أن الاجتياح التركي للأراضي العراقية وعدم اتخاذ واشنطن موقفاً حازماً لانسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية، يجعلها في موقع التواطؤ، ولاسيّما باستمرار احتلال «داعش» لمناطق مهمة من العراق. وحتى الآن، لا تزال مدن عدة في محافظة الأنبار بيد قوات «داعش»، كما لا تزال مدن من محافظة صلاح الدين وكركوك بيد «داعش» كذلك، مثلما هي هيت والشرقاط والحويجة، إضافة إلى محافظة نينوى بكاملها بتداخلاتها مع محافظة إربيل ومحافظة دهوك، وسيكون سيناريو تحرير هذه المناطق بعناصره الجديدة مختلفاً عمّا كان عليه سيناريو تحرير الرمادي، لكن ما هو متوفر من أدوات للتحليل السياسي يمكن الإشارة إليه بالعناصر التالية: *أولاً: القوات العراقية التي استعادت جزءاً مهماً من معنوياتها التي انهارت إثر احتلال «داعش» للموصل وتمدّدها إلى محافظات أخرى، خصوصاً أن هذه المعنويات ارتفعت بعد تحرير الرمادي وبانتظار تحرير كامل محافظة الأنبار. *ثانياً: قوات شبه نظامية تم تشكيلها وتدريبها وتسليحها بدعم من الولايات المتحدة، وأغلبيتها من أهالي الموصل. * ثالثاً: رؤساء عشائر المنطقة الذين لديهم مقاتلون يمكن زجّهم في القتال ضد «داعش». الولايات المتحدة التي شعرت بالقلق إزاء الدخول الروسي في سوريا، تريد الإعلان صراحة، أن العراق، على الرغم من النفوذ الإيراني، لا يزال منطقة حيوية للنفوذ الأمريكي، ودفعاً لأي تفسير، أو التباس، أو الاستمرار في الاتهامات والشكوك، فإنها زجّت بطاقمها الجوي في المعارك، واستدعت قوات برّية دخلت إلى العراق بموافقة بغداد، قبل يوم واحد من تحرير الرمادي. لكن تحرير الموصل الآهلة بالسكان والمدينة الثانية في العراق، سيكون تحدّياً جديداً لجميع الأطراف، فإذا كان «داعش» قد استخدم بعض أبناء الرمادي كدروع بشرية، فإنه يختطف
أهالي الموصل جميعهم ويعرّضهم يومياً للاستلاب والقهر، وقبل أيام فقط قام بإعدام 17 شاباً لأنهم يستخدمون الإنترنت. قد يكون أحد سيناريوهات الموصل، هو مقاومة داخلية من أبناء المدينة، مع معلومات استخبارية وإنزال قوات كوماندوز واجتياح شامل مدعوم بقصف جوي بحيث يعطّل أي قدرة لقوات «داعش» من رد فعل مؤثر أو مبادرة للمناورة أو مفاجأة غير محسوبة.