انتشرت في الأونة الاخيرة مجموعة اخبار تناقلتها وسائل اعلام تركية وعربية حول نية الحكومة التركية البدء بمنح الجنسيات التركية للمواطنين السوريين المقيمين على اراضيها.
ولعل قرار منح الجنسية التركية للسوريين سيكون القرار الاكثر انتصاراً للمواطن السوري والذي عانى الأمرين مع الانظمة العربية في مسألة اقامته وعمله وتعليم اولاده.وستكون الجنسية التركية البديل المقنع جداُ لدى البعض بدل الجنسيات الأوربية وشروط العيش الاجتماعية الجديدة هناك.
هذا الخبر والذي يعتبر حلم الكثير من السوريين منذ بداية النزوح الى تركيا والتي بدورها الحكومة التركية ادركته مبكراً فقامت بمداعبات بسيطة تم تسليط الضوء عليها اعلامياً وهي منح الجنسية التركية لبعض الشخصيات السورية والتي تميزت في موهبتها او في البحث العلمي الخاص بها.
لكن المسألة وحتى لا تتحول من حلم الى كابوس لابد من قراءة بعض المعطيات سواء الدستورية في الجمهورية التركية او في الوضع السياسي الخارجي لدولة تركيا وعلاقتها مع المجتمعات والحكومات الاخرى.
عدد السوريين المتواجدين في الاراضي التركية ما يقارب 2 مليون مواطن سوري منتشرين في الداخل التركي وفي المناطق الحدودية وهم تشكيل اجتماعي متنوع جداً سواء اقتصادياً او ثقافياً او عرقياً.
أولاً: الملف الاوربي :
مهما تباعدت وجهات النظر التركية الاوربية ولكن تركيا ما تزال تبحث عن موقع لها في الاتحاد الاوربي وخصوصاً ان الحكومة الحالية مدركة تماماً بأن سقف العلاقات مع الانظمة العربية هي تعاون اقتصادي محدود جداً وتعاون فني وسيع جداً.ولكن ليس للاتراك بين العرب مكان يسبق الاميركان او الصين او روسيا.
وان سياسة الحكومة التركية ومحاولتها لدعم حقوق بعض الشعوب في المنطقة العربية قد ازمت علاقتها مع الانظمة العربية مثل مصر وتونس وليبيا والامارات والاردن والنظام السوري والعراقي وغيرهم.
فضلاً عن مسألة النزاع الفقهي المعروف بين التيارات الاسلامية والتي تمثل الحكومة التركية احد اقطاب تلك التيارات.
وبالعودة للملف الاوربي فأن مسألة اللاجئين والتعامل مع هذا الملف اصبح من الارواق القوية جداً لدى تركيا وباتت تركيا قطب اساسي في هذا الملف وخصوصاً بانها اصبحت قادرة على اغراق الاوربيين باعداد هائلة من اللاجئين او التوقيع معهم على صياغات كثيرة بشان اللاجئين وبذلك تكون ورقة اللاجئين هي بديل مهم عن طلبات اوربية اخرى بشأن ملفات حقوق الانسان مع تركيا او مسائل التنمية والتعليم والمناهج.وهنا تكون تركيا قادرة على التفاوض وهي تكسب ورقة مهمة جداً وهي ملف اللاجئين من الشرق الاوسط.هذا الملف والذي اصبح الاخطر والاهم عند الاوربيين حالياً.
وعليه فأن قرار التجنيس والذي ان كان جزئياً فأن هذه سيضعف التفاوض مع الاوربيين لا بل ان الاوربيين قد يتحولون الى طرف عنيد ومطالب بتجنيس السوريين في تركيا. وهو ما تم مناقشته في لقاء حصل مع السفير الالماني ووزارة الخارجية بتاريخ الثاني من اذار للعام الحالي حسب تسريبات صحيفة حريات التركية والذي طرح مسألة تجنيس السوريين في تركيا الا ان الرد التركي كان فورياً بأن النظام الدستوري لايسمح بتجنيس مجموعات وانماً التجنيس ضمن شروط ومقاييس سبق وان اعتبرتها المفوضية الاوربية تلك المقاييس مطابقة لقوانين منح الجنسية في اوربا.
وبالنتيجة فأن اي قرار تجنيس للسوريين وهو قرار تاريخي جداً سيسبقه كم هائل من مراحل التفاوض مع الاوربيين وطلبات بالجملة من الاتراك لصالح بلادهم داخل الاتحاد الاوربي.
ثانياً: العلاقات الخارجية:
ويتصدرها العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية وروسيا. واستمرار الولايات المتحدة الاميركية باخطاء السياسات الخارجية وفقدانها لحلفاء مهمين اخرها على مايبدو ستكون تركيا.وخصوصاً ان الاميركان قد تحولوا الى منطق دعم المنظمات علناً وذلك بعد عقود من دعم مخابراتي سري لبعض المنظمات العاملة على الارض وذلك لاستخدامها كورقة ضغط.ويبدو ان اعوام العسل الدائمة بين الاكراد والاميركان قد جعلت وضعت تركيا في موقف سيء جداً.وبنفس الوقت فأن الروتين التركي في القضية الكردية وتطور احداث المنطقة واقتراب انتهاء معاهدة لوزان المعروفة جعل الاتراك يفكرون جدياً بايجاد توازن للعلاقة بينهم وبين الروس وبينهم وبين الاميركان.وهنا بدأت مرحلة المصالحة مع الروس واللذين بدورهم يعتبرون انفسهم منتصرين سواء في الملف السوري او الملف الكردي او المسائل الاقتصادية بين البلدين.خصوصاً ان القطيعة بين البلدين قد لاحقها تخاذل عربي كبير باعتقادي ان الاتراك لم يتوقعوه.
هنا بالعودة الى مسألة العلاقة مع روسيا واستغلال روسيا هذا الطلب بغاية اعادة العلاقات بين النظام السوري والتركي ومحاولة منها لاخراج المعركة من ارض سوريا والتي اصبحت ولاية روسية تماماً.وبذلك سنشهد انقلاب كبير في سياسة تركيا الخارجية وهذا بالفعل ما بدأته تركيا عن طريق رئيسها والذي اخرج داود اوغلو المعارض الاكبر ل بشار الاسد والحديث الان جار عن اقالة هاكان فيدان رئيس المخابرات التركية والذي يدير الكثير من ملفات الكتائب العسكرية بالوانها داخل سوريا فضلاً عن تجميد مكاتب كثيرة للائتلاف السوري المعارض واغلاق مكاتب بالجملة في انطاكيا وغازي عنتاب والتضيق على عمل المنظمات المتواجدة على الحدود بحجة العودة لقوانين الدولة التركية.كل هذه الاجراءات هي مقدمات لايجاد حلول بين روسيا وتركيا واصرار تركيا على انها قادرة على فعل الكثير في الملف السوري اجتماعياً وعسكرياً.
وتجنباً لأي مشاغبات قد تحصل بين السوريين في تركيا او ظهور اي حراك سوري معارض داخل تركيا يدين هكذا افعال ظهرت قضية التجنيس للسوريين والتي حملت عنوان الجنسية التركية للسوريين المفيديين فقط.مما يعني ضبط الكثير من اي ردات فعل بالاضافة الى اشغال الرأي العام السوري داخل تركيا بمسالة التجنيس لحين معرفة ماذا يريد الروس وفي كل التفاصيل.
ثالثاً: قانون منح الجنسية التركية :
ان قرار منح الجنسية التركية يكون بناء على طلب يقدم الى وزارة الداخلية التركية ضمن شروط منح الجنسية التركية وفي الدستور التركي فأن منح الجنسية اما يكون اصلياً او مكتسباً وهو على الشكل التالي :
الجنسية الاصلية :
1- تكون لمن يحمل اصول تركية ما عدا العثمانيين واللذين تم حرمانهم من الجنسية بقرار من اتاتورك.والاصول التركية لا تعني العرق التركي او القومية التركية.وانما من حصل على الجنسية التركية في معاهدة لوزان من والده او والدته.وبذلك قان معيارالجنسية التركية هو لكل من حمل جنسية الجمهورية التركية بعد اتفاقية لوزان بالعام 1923.
2- الجنسية الاصلية لمن هو من فروع تركية اي الام والاب فقط واللذين يحملون الجنسية التركية.
الجنسية المكتسبة :
1 – لمن تزوج تركي او تركية مع استمرار الزواج لمدة ثلاث سنوات دون انقطاع.ولا يشترط الاقامة الدائمة في تركيا.
2- لمن اقام في تركيا بسبب العمل لمدة خمس سنوات شريطة عدم تخلفه عن دفع الضرائب وانه قد حقق مكاسب مالية وحسب عدد العمال والموظفين ومدة سفره لم تتجاوز ال106 يوم خارج تركيا في الخمس سنوات.وشروط اخرى كثيرة ولكن هذه الشروط في مجملها تكون قياسية وليست واجبة, فقط الخمس سنوات هي الاساسية.
3- لمن قدم خدمات جلية للجمهورية التركية سواء في البحث العلمي او الفني او الرياضي او العسكري.(وهنا فقط بقرار من رئيس الجمهورية).
الجنسية الفخرية :
ويقدمها رئيس الجمهورية لبعض الشخصيات الاعتبارية وهو جنسية لا يحق لحاملها الانتخاب والترشح وانما هي فخرية بقرار من الرئيس.
وبالعودة للجنسية المكتسبة فهي بحكم الجنسية الاصلية تماماً ولا يمكن ازالتها الا بقرار من الرئيس وضمن شروط دقيقة جداً.وعليه فأن منح الجنسية التركية ايضاً يكون قد ضمن شروط وقياسات لايمكن الخروج عن الاساسيات فيها.على سبيل المثال لايمكن منح الجنسية التركية لاقامة عمل ثلاث سنوات حيث ان الدستور ينص على خمس سنوات.واي تعديل بحاجة لقرار من مجلس النواب وليس من الرئيس.وقرار التجنيس بناء على الاقامة او الزواج يكون عبر وزارة الداخلية يصادق عليه رئيس الجمهورية. اما منح الجنسية لمن قدمات خدمات للجمهورية التركية فهو بقرار من الرئيس ولكن ضمن نسبة وعدد معين سنوياً ولا يمكن ان يكون يومي او عدده اكبر من عدد المجنسين عن طريق قانون منح الجنسية المكتسبة الروتيني.وللتنويه فان الاقامة السياحية او الطلابية او الاقامات المؤقتة لايمكن اعتبارها اقامة خمس سنوات تحت اي بند.
وبالعودة الى وضع السوريين في تركيا فهم ينقسمون الى اكثر من شريحة :
*- شريحة تجارية واقتصادية وهي مجموع من رجال الاعمال حاصلون على اقامات عمل رسمية وهم عملياً سيحصلون على الجنسية التركية دون اي تعديلات دستورية استثناءات وذلك ضمن المدة المحددة دستورياً وهي الخمس سنوات.
*- شريحة المثقفين والمتعلمين واصحاب المهن المتوسطة ورجال الدين وهم بين من حصل على اقامة سياحية او اقامة حرب.وهؤلاء لايمكن منحهم الجنسية التركية بالمجموع وانما قد تحصل بعض الاستثناءات كما حصل في السابق مع عالم الرياضيات جمال ابو الورد بحصوله على الجنسية التركية ك استثناء من الرئيس.
*- شريحة العمال واصحاب الدخل المحدود جداً وهم في غالبهم اقامات حرب (( وننوه هنا ان العام 2016 قد تحولت اقامة الحرب الى مسمى جديد وهي اقامة تحت بند الحماية.وهو قانونياً يعفي تركيا من اي يطالبها هذا المواطن بحق الاقامة الدائمة او الجنسية ومن حق الاتراك استقبال الاموال لمساعدة المواطن السوري المقيم في حمايتها داخل اراضيها.)) وعليه فأن اقامة الحرب وهي الشريحة الاكبر للسوريين في تركيا مازال وضعها غامض جداً ولايوجد اي مؤشر لتجنيس جماعي لهم.
*- شريحة المقيمين داخل المخميات المتواجدة في تركيا وبالقرب من الحدود السورية وهي شريحة قد تمتلك فرصة كبيرة بارسالهم الى بلاد اخرى بعيدة وبشكل جماعي.او ان يتم وهو الاحتمال الاكبر اعادتهم لسوريا الى المناطق المحررة ضمن اتفاقيات الحماية الدولية.
وضمن هذه الشرائح فهناك الاعراق المختلفة وابرزهم العرب والاكراد والتركمان. وهو ملف شائك ايضاً عند الاتراك فلا يمكن للاتراك تجنيس السوريين وان تستثني منهم عرق معين وهو امر مخالف بكل مفاهيم القوانيين الدولية واتفاقيات حقوق الأنسان.ايضاً فان تركيا وهي سياسة قديمة ترفض تجنيس التركمان (تركمان العراق مثلاً) وهي سياسة تركية قديمة جداً بحيث تحافظ على المكون التركماني في البلاد الاخرى.
اذاً مسالة التجنيس الأن هي ليست إلا اخبار اعلامية قد يكون القصد من ورائها تمرير علاقات جديدة بين الروس والأتراك وقد تكون حملة اعلامية لاخذ رد فعل الاتراك عن قرار تجنيس وهو قرار تاريخي لم يسبق لتركيا بتاريخها منذ تاسيس الجمهورية ان جنست اعداد ضخمة كهذه الاعداد.بالمقابل فأن المؤشرات حول تجنيس السوريين في تركيا قد اخذت طابع سلبي الى الان في الصحف التركية ومواقع التواصل الاجتماعي. صحف المعارضة التركية تعاملت مع الموضوع بسخرية واعادة فتح ملفات الارهاب والوضع الاقتصادي للبلاد.
صحيفة الجمهورية تحدثت عن خطورة التجنيس وخصوصاً ان وزارة شؤون العمل تلتزم بدفع مبلغ 600 ليرة تركي كحد ادنى للشخص العاطل عن العمل بالاضافة للكرت الاخضر والخاص بالصحة عموماً.واضافة الصحيفة ان التجنيس يعني انهاك الدولة برواتب لمئات الالاف من السوريين بعد تجنيسهم.
الصحف الكردية المعارضة اعتبرت اي قرار للتجنيس يعني خيانة لتركيا وكل مكوناتها.وان الحكومة تحاول تغيير كفة التوزان الديمغرافي للبلاد عن طريق تجنيس العرب السنة السوريين!!
صحف احزاب اليمين التركية والقومية طالبت بتجنيس التركمان فقط وطرد بقية السوريين ونشرت تقارير وصور تتحدث عن تطرف كبير للسوريين وانتشار الافكار الجهادية في جنوب البلاد.
اما في مواقع التواصل الاجتماعي فقد زادت الحملات المطالبة بطرد السوريين وترحيلهم.واعتبارهم سبب للارهاب في تركيا ونظمت مؤسسات سياحية حملات متنوعة لطرد السوريين وحملتهم السبب الرئيسي لانهيار السياحة هذا العام. بعض البلديات طالبت بمنع دخول السوريين لمناطقها فترة السياحة ك بلدية القمر في انطاليا.
بالطرف الاخر فأن مؤيدي حزب العدالة استمروا في قناعتهم بأن السوريين هم المهاجرين وتركيا بلاد الانصار.وظلت شعارات مؤيدي الحزب هي الارقى بين اقطاب القوى التركية.
اخيراً فأن تركيا وبعد الحملات الارهابية التي تعرضت لها البلاد اصبحت بحاجة كبيرة لضبط الحدود ومعرفة الداخل والخارج الى اراضيها.وهو الامر الصعب جداً على الحدود السورية مع انتشار جوازات السفر المزورة والبيانات المغلوطة فضلاً عن تزايد العداء بين تنظيم داعش والحكومة التركية. بالطرف الاخر فأن قرار التجنيس سيحرم تركيا من اكثر من مليار يورو تصلها نقداً من الاتحاد الاوربي لدعم اللاجئين السوريين وهي ارقام لا يستهان بها بعد ضربات قاسية جداً لقطاع السياحة الاساسي في تركيا.
بالنتيجة الافضل للسوريين الحصول على الجنسية والحصول على الجنسية لايعني ابداً قطع العلاقة مع الوطن الأم.وإنما الضرورة ملحة للسوريين ولأولاد السوريين.ولكن القليل من المعلومات لايضر لمعرفة القليل من الحقيقة.