اهتمام دولي بالملف النووي الإيراني ومفاوضات إيران مع الغرب وهذه المفاوضات كانت ومازالت وجبة دسمة يتحدث عنها الإعلام بصوره كافة، وكل لحظة وكل يوم نجد أخبار جديدة عن الملف النووي الإيراني ومقالات لكتاب وباحثين يتحدثون عما وصلت إليه إيران في اتفاقها مع مجموعة (5+1) وهي دول أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين.
والتصريحات التي خرجت من الأطراف المشاركة في المفاوضات كثيرة جدًا وبعضها فيه تضارب؛ بدأت هذه التصريحات بتصريح وزير الخارجيى الروسي سيرجي لافروف، الذي قال أنَّ المفاوضات النووية مع إيران وصلت لمرحلة جدية والتوصل لاتفاق قد ياْخذ وقتًا وبعدها تصريح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، الذي قال أنَّ الطريق طويل للتوصل إلى اتفاق.
ويبدو منذ الوهلة الأولى، وبعد اجتماعات كثيرة فإن هناك شيء صعب يجعل الطرفين متمسكين بهذا الشيء لدرجة أن المفاوضات تم تمديدها قبل ذلك، والبداية كانت في اتفاق جنيف 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013م عندما تم عقد اتفاق مرحلي وتم تحديد مدته 6 أشهر قابلة للتمديد وتم تمديده إلى 20 تموز/ يوليو الماضي للفشل في الوصول إلى اتفاق، وكان من المفترض أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي يوم الاثنين الماضي لكن النقاط المختلف عليها مازالت موجودة جعلت المفاوضات تمتد حتى تموز 2015.
وجون كيري وزير الخارجية الأميركي كان يعمل بسياسة إرضاء جميع الأطراف وتواصل مع دول الخليج السعودية والإمارات والبحرين والكويت وقطر لاطلاعهم عما وصلت إليه المفاوضات مع إيران؛ لأن دول الخليج لديها تخوفات كثيرة أًولًا بسبب الملف النووي الإيراني، وثانيًا بسبب شكل العلاقات بعد ذلك بين أميركا وإيران ومحاولات إيران المستمرة التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، والتصريحات بين السعودية وإيران كانت عبارة عن حرب تصريحات؛ حيث هدّدت السعوديه على لسان الأمير تركي الفيصل نقلاً عن الملك عبدالله أنه إذا امتلكت إيران سلاحًا نوويًا سوف تمتلك السعودية سلاحًا مثله.
وأعتقد أن هذا أيضًا من حق السعودية؛ لماذا إيران فقط تريد أن تمتلك سلاح نووي ويتم تحريمه على دول أخرى مهمة في المنطقة مثل المملكه العربية السعودية.
ومن وجهة نظري أنه يجب على العرب أن يتفقوا حول برنامج نووي قوي على غرار برنامج إيران النووي، وقد يهاجمني البعض بسبب الأوضاع التي نمر بها الآن في منطقتنا العربية، لكن هذا أيضًا موضوع مهم نحن في حاجة إلى أن نكون أقوياء، لاسيما إذا كان هناك تهديد بعد ذلك من إيران للدول العربية.
وطرح السعودية لامتلاك سلاح نووي بداية ويجب على العرب مساندة السعودية في ذلك إذا كانت إيران لا تريد التراجع عن امتلاك سلاح نووي، فالأخيرة تسعى بكل جهد أن تستمر في سياسة تضييع الوقت وهي غير جادة للتوصل لاتفاق مع الغرب حول برنامجها النووي.
الغرب يريد أن تظهر إيران حسن النية وهي كل ما تريده أن يتم رفع العقوبات عنها نهائيًا، وهذا مستحيل بل من سابع المستحيلات أن يرفع الغرب العقوبات مرة واحدة، صحيح أنها سوف تحصل على 700 مليون دولار شهريًا من أرصدتها المجمدة، ولكن إذا لم يتم التوصل لاتفاق مع إيران بشكل نهائي وجاد سوف تكون العقوبات أشد والوضع سوف يزداد صعوبة، وأعلن البيت الأبيض عن أنه لا تزال هناك خلافات كبيرة في الملف النووي، وموقف أوباما يتفق في بعض تصريحاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
أوباما قال أن تأجيل الاتفاق أفضل من عقد اتفاق سيء، لكن يبدو من تصريحاته أنه غير متفاءل بذلك ولديه خيبة أمل، لأن أوباما حتى الآن أخفق في ملفات السياسة الخارجية، وأضاف إلى فشله الملف النووي الإيراني.
هذا هو الموقف الأميركي، أما الموقف الروسي والذي يساند إيران بقوة وبينهم مشاريع مشتركة في إطار البرنامج النووي رأى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أنه يتوقع أن تتفق الأطراف خلال ثلاثة أو أربعة أشهر على المبادئ الأساسية لاتفاق نهائي.
وإسرائيل تسعى لإفشال هذه المفاوضات وتتمنى ألا يكون هناك اتفاق بين إيران والغرب.
وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي لم تتوقف تصريحاته كل يوم له تصريح في هذا الشاأن ومن هذه التصريحات قال أن الاتفاق الذي ضغطت إيران لإبرامه سيئًا، سيترك القدرة لإيران تخصيب اليورانيوم لأغراض غير سلمية، بالإضافة إلى رفع العقوبات عنها.
ونتنياهو له تصريح آخر جاء فيه أنه من المفترض أن يتم تشديد العقوبات ليس تخفيفها وكرر ما قاله أوباما أن عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من التوصل إلى اتفاق سيء، ورأى نتنياهو أن تمديد المفاوضات هو الخيار الأنسب في الوقت الراهن، وأن عدم التوصل لاتفاق هو دليل على أن الدول العظمي لم تسلم الإيرانيين ما يريدونه وهذه فرصة لمواصلة الضغط الاقتصادي على إيران.
وأضاف أن حكومته تعمل وتواصل جهودها لدى الغرب من أجل إقناعهم بضرورة تشديد العقوبات على إيران وأن إسرائيل سوف تقدم ما لديها من معطيات حول النيات الخبيثة لإيران.
هذه هي تصريحات بنيامين نتنياهو الذي كان يعد لضربة عسكرية ضد إيران لكنه لم يستطيع أن يفعلها لأنه لا يعرف إذا دخل مع إيران في حرب متى سوف تنتهي وهل إيران قادرة فعلاً على القضاء على إسرائيل أم أن إسرائيل سوف تتورط في حرب طويلة الأمد وقد تتخلى أميركا عن إسرائيل في هذا الوقت.
ويبقي في هذا الإطار أن نعرج على الداخل الأميركي وردود أفعال الساسة في أميركا بالإضافة إلى ردود أفعال المرشد الإيراني والرئيس الإيراني وتبريرات وزير الخارجية محمد جواد ظريف للشارع الإيراني والتيار المتشدد داخل إيران.
هناك تيار في أميركا يرفض هذه المفاوضات مع إيران ويرى أن تشديد العقوبات على إيران مهم ويجب مضاعفته وأن القوة هي الحل مع إيران الجمهوريون أيضًا يعارضون كل ما يفعله أوباما ويسعوا إلى عرقلة أيّة تحركات لأوباما، لكن ماذا لو تم التوصل إلى اتفاق مع إيران ووصل الجمهوريون بعد ذلك إلى البيت الأبيض هل تستمر هذه العلاقات بين أميركا وإيران أم أنها سوف تاْخذ طريق آخر.
وجون كيري وزير الخارجية الأميركي أراد أن يمتص غضب البعض بعد تأجيل وتمديد المفاوضات، وقال أن عملية التفاوض حققت نجاح كبير وأن العالم أصبح أكثر اطمئنانًا الآن مما كان عليه من قبل فيما يختص بهذه القضية، وبرر كيري التمديد والمهلة الجديدة وارجعه إلى أن الجميع يحتاج إلى مزيد من العمل لأنهم ليس بصدد توقيع اتفاق وإنما اتفاق صحيح عميق وقوي.
وكيري حث المجتمع الدولي والكونجرس الأميركي على دعم تمديد المفاوضات وأنه ليس وقت التراجع الآن وأن تمديد المحادثات مهمة شاقة وستبقى شاقة.
وفي الجانب الآخر الجانب الإيراني كرر نفس تصريحات كيري عندما ذكر عباس عراقجي كبير المفاوضين الإيرانيين أنه لم يكن هناك أحد يود أن ينهي المفاوضات النووية.
والرئيس الإيراني حسن روحاني قال أن ما تم تحقيقه سرًا مع الغرب كان جيدًا لكن لا نعرف ماذا يقصد روحاني بذلك وهل هي تصريحات لإخافة دول الخليج أم أنها موجهة إلى إسرائيل، كان يجب على روحاني أن يوضح لكن أن يقول أن تصريح مثل هذا يجعلنا نبحث عن إجابات كثيرة منها أن المفاوضات بين إيران والغرب الهدف المعلن لها البرنامج النووي الإيراني لكن ما هو الهدف الخفي هل القضية السورية مطروحة، هل ما يحدث في العراق مطروح أشياء كثيرة غامضة لكن كما نقول دائمًا ياخبر النهارده بفلوس بكرة يبقى ببلاش.
وأحمد جنتي خطيب طهران ورئيس مجلس صيانة الدستور قال في خطبة الجمعة أنه يجب على المفاوض الإيراني ألا يخاف من أميركا فالشعب والمرشد معه.
وأحمد جنتي من التيار الذي يرى أن أميركا يمكن هزيمتها لكن ما معنى أن الشعب والمرشد معه هذه مفاوضات وليست حرب، إذا كانت إيران تريد حربًا مع الغرب لماذا ظلت هذه المدة الطويلة من 2013 حتى الآن في مفاوضات مع الغرب.
وعلى عكس جنتي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال أنه واثق من وجود طريق للوصول إلى اتفاق وأن هناك نية للوصول إلى نتيجة خلال 4 أشهر وأن تأخير التوصل إلى اتفاق في فينيا جاء بسبب ظهور أفكار جديدة.
وحاول جواد ظريف أن يوضح أسباب التاْخر في التوصل إلى اتفاق نهائي للشارع الإيراني وقال أن الشعب الإيراني قاوم كل الضغوط للحصول على حقوقه النووية وهنا يحاول جواد ظريف أن يبرر جولاته الطويلة مع الغرب ويكسب تعاطف من يقف خلفه لإنهاء المفاوضات بنجاح.
وخاطب ظريف في تصريحاته الخارج وخاصة الدول التي لا تريد أن تمتلك إيران سلاح نووي ووصفهم بأنهم غير سعداء الآن بعد ما وصلت إيران إلى تقدم في المحادثات وكالعادة جواد ظريف يريد أن يوضح للغرب أن رفع العقوبات أو عدم رفعها لن يمسك إيران عن تقدمها حيث أكد ظريف أن إيران كانت تمتلك 200 جهاز طرد مركزي قبل العقوبات والآن تمتلك أكثر من 20 ألف رغم العقوبات ولا أعلم هل هذا العدد من أجهزة الطرد المركزي حقيقي أم لا وهناك عدد أكبر من ذلك وهل تصل صراحة جواد ظريف لهذه الدرجة.
وأيضًا قال أن إيران تريد من هذه المفاوضات أن تواصل تخصيب اليورانيوم من دون أي حظر على إيران وهذا التصريح على لسان وزير الخارجية الإيراني يؤكد أن إيران غير جادة وأن كل الموضوع هو تضييع للوقت ليس إلا.
وتحدث جواد ظريف على أن الأموال التي أخذت من إيران بشكل ظالم سوف يتم استرجاعها وهذا ما تريده إيران فعلاً هي تريد أن ترفع العقوبات وتسترد أموالها في نفس الوقت لا تقدم تنازلات وهذا يهدد بنهاية المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود، لكنه قال أنه مستعد للتفاوض وأن الفريق الإيراني لم يغادر طاولة المفاوضات.
والمرشد الإيراني تحدث أيضًا عن أميركا وقال أن رسائلها والاجتماعات الخاصة تتحدث بأسلوب وفي العلن تتحدث بأسلوب آخر ولا أعلم ما الفائدة من ذلك نفس لهجة حسن روحاني، عندما قال أن ما تم تحقيقه سرًا مع الغرب كان جيدًا وأعتقد أنه سيناريو متفق عليه الهدف منه توصيل رسائل إلى دول الخليج التي تترقب التصريحات الإيرانية على لسان المرشد والرئيس الإيراني بالإضافة إلى الحرب في التصريحات ضد إسرائيل والتي أرسل إليها المرشد الإيراني علي خامنئي رسالة قال فيها أنه ليس ضد تمديد المفاوضات النووية وأن إسرائيل ستصبح أقل أمنا سواء تم الاتفاق النووي أم لم يتم.
وأيضًا المرشد الإيراني خامنئي هدد من باب الكبرياء أنه في حال فشل المفاوضات واشنطن سوف تكون الخاسر الأكبر وليس طهران.
نحن في انتظار الأيام المقبلة وفي انتظار مستقبل الملف النووي الإيراني والاتفاق النهائي بين إيران والغرب رغم أن الاتفاق مهدد في أي وقت بالفشل بسبب القضايا الإقليمية في المنطقه ومساندة إيران لنظام بشار الأسد في سورية وإصرار الإدارة الأميركية على إسقاط نظام الأسد بالإضافة إلى العلاقة بين إيران وحزب الله في لبنان ومساندة حزب الله لنظام بشار الأسد ويظل يحكم سورية على جثث السوريين.
لكن من وجهة نظري إذا كان هناك اختلاف حول الأزمة السورية وإصرار إيران على بقاء الأسد ورؤية أوباما لهذا النظام ومساندته للمعارضة ضد نظام الأسد إلا أن هناك اتفاق بين أميركا وإيران حول العراق وإيران تريد أن تظل يدها في العراق وأميركا مطمئنة إليها بل أنها قد تسعى لتسلميها المنطقة بالكامل إذا حدث تقدم في الملف النووي الإيراني.
أشياء كثيرة تغيرت ولا نعرف هل القادم أسوأ مما نعيشه الآن أم أن القادم سوف يكون أفضل بكثير قد تتخلى إيران عن حلمها بامتلاك سلاح نووي وقد يحدث تقارب بينها وبين الدول العربية دون أن تتدخل في الشؤون الداخلية لها كل شيء قد ينقلب والأيام دائمًا تحمل المفآجات سواء السارة أو الغير السارة.
في هذا المقال حاولت أن أجري قراءة في المفاوضات بين إيران والغرب حول الملف النووي الإيراني وتحدثت فيه عن وجهة نظري قد يختلف معي البعض وقد يتفق البعض الآخر معي ولكل إنسان الحرية في أن يرى قضية معينة من خلال قراءته للمشهد ويحلل أبعاده من خلال المعطيات التي تتاح له.
ونتمنى ألا يعكر صفو منطقتنا العربية أي شيء وأن نتخلص من اللغة الطائفية والمذهبية التي بسببها نعيش في بحار من الدماء.
ونتمنى ألا يسعى العرب لإرضاء الغرب لأن الغرب لن يرضى عنا مهما فعلنا وكما يقول المثل الذي يأتي من الغرب لا يسر القلب بل قد يتعبه ويقضي عليه.