بقلم: فوزي حوامدي
يعتبر الكثير من الليبيين، أن الاتفاق الذي حصل في الصخيرات المغربية، هو حلقة جديدة من مسلسل العبث بالدولة الليبية، المؤدي لمزيد من الانهيار والتفتت، والذي قد يصل في مرحلة مقبلة، للنسيج الاجتماعي، بعد تزايد الهجرة والنزوح من جهة، وتوافد الأجانب "الدواعش" والمرتزقة من جهة أخرى.
ومع أن ليبيا الجديدة التي تحدثوا عنها في سنة 2011، عبر فضائيات الخليج والغرب، أنها ستكون جنة إفريقيا، وواحة الحرية والديمقراطية، لم يشهدها الليبيون إلا في أحلامهم، وإن عاشها الانتفاعيون بعدما وصلوا للحكم، ونهبوا خيرات الشعب، ليتمتعوا بها في فنادق العالم، وتحولوا بين عشية وضحاها، من خريجي سجون وسوابق قضائية في الإرهاب والإجرام، إلى رجال أعمال ومستثمرين في السياحة والطيران، والإلكترونيك، وغيرها من ميادين النشاط، وهو النعيم الذي كان يعيش فيه الشعب الليبي بكامله، على مدار 4 عقود من الزمن، بفضل الديكتاتورية، وإن كان الكثير يعيب عليها التضييق الزائد في الحريات، لكن ما عاشه الليبيون بعدها، لا يمكن وصفه إلا بأنه خنق للحريات، بعدما تصدرت ليبيا قائمة الدول المنتهكة لحرية التعبير والصحافة.
ولسنا هنا بصدد المقارنة بين الفترتين، لان الوقائع المشاهدة لا تحتاج إلى سرد حالات، عاشها ويعرفها الجميع، وإنما بصدد النبش والبحث عن الحلول التي تعيد ليبيا لسكتها الصحيحة، كدولة قوية بخيراتها، وبشعبها، وبجيشها، وهو الحلم الذي يرواد الليبيين حتى عدد من أولئك الوطنيين، الذين تورطوا في تأييد ما يسمى بالربيع العربي، على حين غفلة من الزمن أو انتقاما لظلم في مرحلة ما، ليكتشفوا ظلمًا اكبر وواقعًا أمرّ، وما يصوره الإعلام الخليجي سراب يحسبه الظمآن ماء.
وبعد أن مرت ليبيا الجديد بـ 4 شرعيات، منذ فبراير، منها شرعية ما يسمى بالثورة، ممثلة في المجلس الانتقالي، ثم شرعية الشعب المنقوصة، بعد اول انتخابات ثم شرعية أكثر انتقاصا، ولكن باعتراف دولي لها ممثلة في البرلمان، تستعد لشرعية رابعة ممثلة في الشرعية الدولية، لدعم ما نتج عن اتفاق الصخيرات الذي اعتبره الكثير من الليبين، أسوا الحلول، ولكن أفضل من اللا حل.
ويرى الليبيون، أن هذا الحل الموقت، يعتبر مسكنًا ليس إلا قد ينفجر فيه الوضع مجددا، في حالة اختلاف المتفقين الذين جمعتهم المصالح، أكثر مما يجمعهم الوطن، باعتبار الكثير منهم رهينة لمن يدعمه من الخارج، في حين تحتاج ليبيا شخصًا رهينة للشعب الليبي، وللوطن وحده، ولا يوجد من يحظى بإجماع حقيقي، أكثر من غيره في هذه المرحلة، إلا سيف الإسلام القذافي، لاعتبارات عدة تستوقف الباحثين والمتابعين، وحتى الليبيين المعارضين للنظام السابق المتشبعين بالقيم الوطنية والأخلاقية النبيلة.
فسيف الإسلام الذي كان يقود مشروعًا إصلاحيًّا، أثار في مرات عدة غضب والده المتشدد، أكثر في الحكم سيرجع له الفضل، في تطور الحريات وحقوق الإنسان في ليبيا، والمراجعات الأساسية لمنتسبي التيار الإسلامي المتشدد، الذين أنقذهم الشاب من حبل المشنقة في مرحلة لم يكن يسال عنهم احد، وما دفعه لذلك الا إيمانه وحسه الإنساني، وقناعته بان ليبيا لكل الليبيين وتسع لكل التيارات، شريطة الولاء للوطن وحده.
كما أن الرجل المتخصص في الهندسة المعمارية، يتقن بناء دولة وطنية حقيقية، وفق متطلبات الشعب الليبي الذي كان أقرب إليه من والده، طيلة العقد الأخير من حكم العقيد لليبيا، خاصة ضمن نشاطه في مؤسسة القذافي العالمية، وللجمعيات الخيرية التي ساهمت في حل الكثير من المشاكل الداخلية، والدولية كقضية الرهائن الأوربيين في الفلبين، إضافة إلى نشاطه في جمعية حقوق الإنسان، التي ساهمت في الإفراج عن المعتقلين السياسيين، والكثير منهم يتبوأ حاليًّا مناصب قيادية في ليبيا الفوضى، أو الجديدة كما تسمى، والبعض الآخر عاد لأصله في قيادة مليشيات، وكان أول الداعين لاستحداث دستور في ليبيا، ينظم العمل السياسي ويحفظ الحقوق والحريات، ويبني ليبيا الدولة، حيث كان الرجل يسعى لبناء ليبيا الغد، بسواعد الشباب الليبي وهو الدستور الذي عجز حكام ما يسمى بثورة فبراير بعد 4 سنوات، عن وضعه، وكل ما تعيشه ليبيا اليوم سبق أن تنبأ به الرجل، لأنه يدرك ما يخطط للوطن العربي بشكل عام، ولدول الممانعة والرافضة للهيمنة والغطرسة الأميركية والصهيونية على العالم.
وبعيدًا عن مشاريعه التي ظل بعضها عالقًا بسبب الأحداث، فإن الرجل ما زال يحظى بشعبية كبيرة في ليبيا تؤهله، ليكون منقذ ليبيا الجديد بنَفَس وروح الشباب المتعلم، وجدية النظام الذي تربى فيه، وقوة الشعب الذي ذاق المُر من ليبيا المليشيات.
فالنسيج الاجتماعي في ليبيا، والذي يهيمن عليه حكم القبيلة، لم يتكيف مع الواقع السياسي الجديد، وظل الوحيد خارج معادلة الأحداث في ليبيا، والتي يتزعمها أشخاص وكأنهم غرباء عن الوطن، لا أثر ولا وزن لهم، كما كرست آخر انتخابات شعبية، التي أفرزت فسيفساء متنوعة، وأقصت التيار الإسلامي، ولم تكرس أغلبية ساحقة لجهة، أو شخص يظهر أن له كلمة تحرك الشارع، أو تهدئه، في حين أن سيف الإسلام يملك الكاريزما التي تجعله في الموقع المؤثر، إلى أن يثبت العكس، خاصة أنه ينحدر من قبيلة عريقة يعود نسبها لأهل البيت، ممثلة في قبيلة القذاذفة وله علاقات دولية، ومتشبع بالقيم الوطنية والدينية، ويملك رؤية ثاقبة أثبتتها الوقائع التي تعيشها ليبيا اليوم، والتي تحدث عنها الزعيم الشاب قبل 4 سنوات، فهل يكون سيف الإسلام منقذ ما تبقى من ليبيا، أم الأوضاع تتجه نحو المزيد من التفكك والاندثار، الأسابيع والشهور المقبلة كفيلة بالإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها، لدى المتابعين والمهتمين بالأوضاع في هذا البلد العربي، الذي ينعم بخيرات فتحت شهية الطامعين في مشارق الأرض ومغاربها من العرب والغرب.