نهاد الطويل
تضرب الساحة الفلسطينية في الآونة الأخيرة، موجة عارمة من الإشاعات عالية الحساسية وتؤشر لفوضى كبيرة في المشهد المجتمعي الفلسطيني وبالتحديد الحياة السياسية وهي بطبيعة الحال امتداد طبيعي لحالة الانعكاس والضياع والتي ستفضي في نهاية المطاف إلى أزمة، وربما انبعاث أزمات في ظل التخبط وحالة الاصطفاف والاستقطاب السياسي وتعقيدات الوضع العام على كافة المستويات والذي تتحمل تداعياته ومسؤولياته الأقطاب السياسية المتصارعة بكافة مسمياتها وحفظ ألقابها.
فمن إشاعة إصابة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بجلطة دماغية إلى غير ذلك من الإشاعات التي أصابته بهدف استنزاف شعبيته، بقطع النظر عن أية اعتبارات أخرى، إلى خبر سلسلة الإقالات الجماعية من قبل عباس للمقربين له وهم ياسر عبد ربه، عزام الأحمد من إدارة ملف المصالحة، إضافة إلى استقالة رئيس الحكومة رامي الحمد الله، وليس آخرًا باستقالة وزيرة التربية والتعليم الدكتورة خولة الشخشير والتي سارعت إلى نفيها بالمطلق، إلى غير ذلك من حرب الإشاعات التي خلقت حالة من الهرج والمرج في الشارع.
اليوم تبدو شبكة الإشاعات تمدّ أذرعها "الأخطبوطية" على نطاق واسع، ومن الواضح أن اتّساع الإشاعات بشكل غير مسبوق ناتج عن أسباب كثيرة تقف على رأسها مجموعات ضاربة وعميقة في النسيج السياسي، وذلك نظرًا لحساسية الإشاعات التي تُطلق إلى جانب الحضور الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها في حياة المواطنين ما زاد من سرعة انتشارها كـ"النار في الهشيم" بعد قدح عود الكبريت.
ويرى مختصون في علم النفس، أن خطورة وتعقيدات الإشاعات تكمن في بيئتها، وأهدافها وسبل ردعها، حتى باتت اليوم في ظلّ أعقد وأحدث وسائل الاتصال والنشر، قادرة على بلوغ أهدافها أسرع من البرق محققة لمطلقيها القوة والشأن في ميادين الصراع.
فما تشهده الساحة الفلسطينية والصالونات السياسية من صراعات عميقة بين الأقطاب النافذة لا يؤشر لعلامة الانهيار، بل هو علامة انهيار بعينها ومرتعًا وخط إنتاج وبيئة خصبة للإشاعة، وسط تيهان المسار الفلسطيني وبالتالي انهيار مقومات المجتمع وفقدانه ثقته بذاته و بكل ما حوله.
فلسان حال الشعب يقول لمطلقي هذه الإشاعات والسموم القاتلة: "ارحمونا من إشاعاتكم واحتفظوا بها لأنفسكم" ... قبل أن نكون بحاجة إلى هيئة مكافحة الإشاعات وعندها ستصبح المشكلة مرض لا شفاء منه.