دم يوسف

دم يوسف

دم يوسف

 لبنان اليوم -

دم يوسف

بقلم : المهدي الحداد

 أستغرب الصورة التي بات عليها بعض اللاعبين المغربيين  داخل الوطن وخارجه، والكسل الشديد الذين عانقوا جلبابه ليهرموا فيه بسرعة، ويتكئوا على عصا الشيخوخة المبكرة، فيثيروا الشفقة الدسمة بتوابل السخرية.

فرغم أن الموسم يحبو خطواته الأولى، ورغم أنهم في بداية أو وسط مسارهم الاحترافي، إلا أن عينة كبيرة من اللاعبين بدت عليهم علامات «الشّرْفْ» والهوان، وكأنهم يستعدون لملامسة العتبة الأخيرة من سلم التباري، قبل الوقوف فوق منصة الاعتزال الطوعي.

بنية جسدية مريضة، لياقة مهزوزة في زواج مع حماس في غيبوبة، شرود ذهني يداعب نسمات إشباع سريع، مطارق انهالت فوق رؤوس فاقدي الرغبة والطموح، لتسقطهم في غفلة، وترميهم على عجل في سلة المهملات، ليصبحوا في خبر كان.

اختفاء بعض أسود المهجر في ريعان شبابهم، وانطفاء قنديل بعض المواهب المحلية قبل دخول النفق، والإشباع الذي بلغه الكثيرون ممن توهموا وصولهم القمة والشهرة، جعلني أتذكر أكبر اللاعبين المحترفين المغاربة حاليا والذي لا زال يمارس بل ويمتع ويتألق بشدة، ويبصم على بداية موسم ولا أروع في بطولة أوروبية صعبة، وشهيرة بالاندفاع البدني وحدة المنافسة وشدة فتوة الشباب.

يوسف حجي سيكمل بعد أشهر قليلة 38 سنة وهو في قمة مستواه وأوج عطائه، فالرجل يلعب كرسمي ويحمل شارة عمادة نانسي، بل ويعتبر هدافه هذا الموسم ب 3 أهداف في 5 مباريات، وقد شاهدته قبل أيام ووقفت على رشاقته وحيويته وكأنه يلعب أول موسم في مسيرته الاحترافية، وإندهشت من إرتفاع منسوب لياقته البدنية وحسه التهديفي الذي يزداد ويتقوى كلما تقدم بالعمر.

هل تعلمون أن حجي أصبح ثاني هداف تاريخي وثاني أساطير نادي نانسي بعد النجم الفرنسي الشهير ميشيل بلاتيني؟ هل في علمكم أنه تجاوز 100 هدفا في فرنسا؟ هل تعلمون أن يوسف أصبح يشكل ثنائيا هجوميا مع مواطنه الشاب أمين باسي الذي لم يكن قد رأى نور الحياة بعد حينما قص حجي شريطه الاحترافي؟ هل تعلمون أن هداف الأسود السابق يلعب دون أجر شهري ويكتفي بالمستحقات والمنح؟ هل تدركون صعوبة الاستمرار كمهاجم قناص في سن متقدم وفي بطولة ملأى بالشباب وأساسها الاندفاع البدني؟

رونار يخجل أن يستدعي هذا العجوز ويعيده لعرين الأسود، لكنه يخطئ باستبعاده وهو المتفوق بجلاء والمبتعد بمسافات بعيدة عن جميع رؤوس حربة الفريق الوطني حاليا، والأرقام والإحصائيات تتحدث عن قناص صديق للنجاعة، لا يخطئ الشباك إلا نادرا، عيوبه قليلة، وأهدافه موقعة بإتقان وإمتاع.

لا أطالب هنا برجوع حجي إلى العرين رغم أن وثيقة نهايته معه لم تكن سعيدة وملائمة، ولم توفي الهداف الذي أسعدنا لسنوات كل حقه وشكره، لكنني أدعو هواتنا ومحترفينا الصغار والشباب والكبار لاتخاذه قدوة، وجعله أفضل النماذج فيما يخص صور العزيمة والوفاء، الصدق والاحتراف مع الذات أولا قبل باقي المكونات، ثم الطموح الشديد والصبر العتيد، وخصوصا عدم الغرور وتفادي الإشباع المبكر، فالحرص الكبير على الاستمتاع بكل دقيقة في التدريبات والمباريات، يجعل مدة الصلاحية تطول وتطول.

الفرنسيون يتعجبون لحالة يوسف ويعتبرونه استثناءً، وقد وضعوه مؤخرا في مختبر التدقيق والأسئلة لمعرفة السر، فأجابهم الرجل بابتسامة وثقة: «نحن المغاربة لا نشيخ، دمي يمنعني من الاعتزال، ويدفعني لمواصلة اللعب حتى هذا السن، بفضل الله ونظام حياتي ما زلت في كامل لياقتي وقدرتي على الوفاء لحبي لفريقي نانسي».

 يوسف حجي قصة مستفزة لأولئك الكسالى والذين يرحلون في صمت قبل الثلاثين أو بعدها بقليل، عبرة مفيدة في الحياة الكروية والخاصة معا، مثال حي على روح ونفس المغاربة الأحرار التي تأبى الخنوع وتهزم الإصرار.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دم يوسف دم يوسف



GMT 18:09 2018 الأحد ,04 شباط / فبراير

الاختبارات في المجال الرياضي

GMT 17:52 2018 السبت ,03 شباط / فبراير

الضحيتان

GMT 14:14 2018 السبت ,03 شباط / فبراير

حرب الصفقات ونظرية العند

GMT 22:37 2017 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أزارو ووائل جمعة!!!

GMT 19:15 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"إعطيه العصير"

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon