حقيقة الكذب

حقيقة الكذب

حقيقة الكذب

 لبنان اليوم -

حقيقة الكذب

بقلم: آن الصافي

دخَلت إلى المقهى، وقف محيياً لها بإبتسامة. وجدته قد طلب مسبقاً كأسين من العصير. أي أنه (متهيئاً) تماماً لهذه الجلسة.
صباحاً، أخبرها عبر الهاتف أنه يود رؤيتها لأمر هام. اتفقا على يلتقيا أثناء استراحة الغداء في هذا المقهى، الذي يقع في منتصف الطريق بين مقري عمليهما.
ابتسمت تسأله:  ماذا هناك؟!
بادلها الإبتسام وبسلاسة بدأ يحكي وهو يصف بإسهاب ويزبد و(علامات الجدية) مرسومة على وجهه. كانت تنظر إليه بتمعن والطاولة بينهما تمنع يديها من أن تتحسس مسام وجهه  وخطوط ثنايا عنقه وهي تتشكل أثناء حديثه وهدنة صمت سريعة بعد الإنتهاء من إيصال كل معلومة، ليبدأ بفقرة جديدة، ليضيف معلومة تأكيدية للسابقة أو جديدة تعزز فكرة كل القصة التي أتى ليخبرها بها؛ أي أن ذات الكم المعلوماتي يجب أن يصل من خلال (التكرار) ليؤكد روايته. ظل يواصل سرده وهي تتأمله كيف يشد على شفتيه حينما ينطق بعض الحروف والكلمات وعينيه خالية من أي بريق و(زائغة البصر). تتقافز بؤبؤتيه في عدة اتجاهات وكأن نظرته حشرة طائرة تبحث عن بقايا طعام بين أشلاء علاقة كانت بينهما. على الرغم من سمات جديته وسرعته في الكلام، بتصرف غير إرادي كان متأنياً في إحتساء العصير أمامه وحركة يديه في نظافة نظارته، هذا ما وضعته في مخيلتها بين قوسين (تكلف عصبي) واضح. استخدم في حديثه (نحن وجميعنا و الناس ومعظمنا) بإسهاب متجنباً تماماً أن يستخدم ولو لمرة واحدة  ضمير المتكلم (أنا)، أي لم يشير إلى ذاته المجردة في أي أمر. انتبهت إلى أن قصته قد حملت عدة (اتهامات) لعدة أشخاص ذكرهم في روايته لا لشيء سوى إمعاناً في تثبيت فكرة القصه الأساسية.
بعد آخر جملة احتسى آخر جرعة من كوب العصير، ومن ثم أسند ظهره لحافة كرسييه، منتظراً رد فعلها في إبتسامة واثقة.
نظرت لكوب عصيرها الممتلئ والذي لا ترغب في إحتسائه، ثم نظرت إلى عينيه في صمت.
متأكدة من أنه يود أن يسمع رأيها فيما قال. من خبرتها في التعامل معه، لم تجد سبب موضوعي لتصديق روايته، والتي امتلأت بتزييف حقائق ومعلومات مغلوطة على حد علمها. عدا علامات الكذب التي بدت عليه بلغة الجسد، وهي الكلمات التي بين قوسين في هذه القصة.
نهضت، أخذت حقيبتها وتركته وعلامات استفهامه وتعجبه تركض خلفها دون جدوى، فلا يسمع منها شيئاً).
-إنتهى-
ملاحظة: هذه القصة ابتكرت لهذا المقال عينه.
عزيزي القارئ، كما تعلم، الكذب يأتي بقوالب عدة إما بتزييف الحقائق جزئيا، أو كليا، أو خلق روايات وأحداث جديدة، بنية وقصد الخداع لتحقيق هدف معين، وقد يكون ماديا ونفسي واجتماعي وهو عكس الصدق، والكذب فعل محرم في أغلب الأديان.
الكذب قد يكون بسيطاً ولكن إذا تطور ولازم الفرد فعند ذاك يكون الفرد مصاب بالكذب المرضي. وقد يقترن بعدد من الجرائم مثل الغش والنصب والسرقة. وقد يقترن ببعض المهن أو الادوار مثل الدبلوماسية أو الحرب النفسية الاعلامية.
الطفل عندما يبلغ من العمر نحو أربع سنوات ونصف، يبدأ لديه القدرة على الكذب المقنع. قبل هذا، يكون للطفل وجهة نظر واحدة خاصة به وغير قادر على إستخدام الخيال وحبك الأحداث ووضعها في قالب لغوي متماسك.
بتاريخ 25 أكتوبر 2015  طالعتنا الأخبار عبر الصحف والتلفزة والمواقع الألكترونية  بهذا العنوان (بعد 15 عاماً.. بلير يعتذر عن حرب العراق)
قالت صحيفة الاندبندنت البريطانية إن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير اعتذر عن حرب العراق في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، مضيفة "لكم انتظرنا اعتذارا عن تلك الحرب منذ وقت طويل"، مشيرة إلى أنه أقر بصورة علنية للمرة الأولى أن حرب العراق ساهمت في ظهور داعش.
وأوردت الصحيفة تسلسل زمنى للأحداث قبل وأثناء وبعد حرب العراق، مشيرة إلى قوله أنه يشعر بالأسف لعدم التخطيط لتبعات الصراع والمعلومات الاستخباراتية الخاطئة التي استخدمت لتبريره.
حسب الديانة المسيحية والتي تحرم الكذب وليس هناك استثناءات تبيحه فيها بأية حال، ما فعله طوني بلير وهو أحد معتنقيها، هو الإعتراف Confession بالخطيئة و يكون بذلك قد تخطى الشعور بالذنب إلى مرحلة عملية للتطهيرالكامل منها، ومن ثم يرتجي المغفرة.
كما نعلم، الدين الإسلامي يحرم الكذب ومع ذلك يبيحه في ثلاثة أمور: الكذب للإصلاح بين المتخاصمين، الكذب على الأعداء في الحروب والكذب لإرضاء الزوجة؛ وهناك أدلة مثبتة لذلك.
لنعود للقصة المدرجة أول المقال هنا، فلتكن عزيزي القارئ، في موضع الرجل تارة ومن ثم في موضع المرأة. كيف ترى الصورة من على الطرفين؟
فلتعيد صياغة القصة بالشكل الذي ترتأيه ويناسب طريقة تفكيرك ويتوافق مع ثقافتك. مرة أخرى أعده بصيغة لا تمت لبيئتك بصلة ودون ملاحظاتك عن الفرق الذي وجدته.
المسافة بين النص المقروء وعقلية المتلقي يمكن إختصارها حين نأخذ بمعطيات البيئة التي تجمع كلاهما. حين يأتي النص السردي بتسلسل مشاهده وأحداثه موافقاً لتنبؤاتك أثناء القراءة، يعني أنك لم تصل إلى حد الدهشة، التي تغري للوصول إلى نهاية النص وتحقق الإمتاع.
الخوف من كسر النمطية في الكتابة وكيفية عرض الفكرة ومواضيع السرد، خاصة فيما يتعلق بالمسلمات الثقافية المتوارثة لمجتمعاتنا، على الأغلب سيجعل المنتوج الأدبي المحلي من آخر إهتمامات الأجيال المواكبة لعصر السرعة والعولمة والثورة المعلوماتية. لا يعني أبداً هنا أننا مع أو ضد أي طرف ولكن من الفطنة الأخذ بالأسباب لإيجاد مخارج لمعضلة أننا أمة إقرأ التي أضحت لا تقرأ.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقيقة الكذب حقيقة الكذب



GMT 11:21 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ضفضة_مؤقتة

GMT 09:16 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 15:25 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

أنور الخطيب لمحمود درويش: إذن..لماذا خرجت

GMT 17:28 2021 الأربعاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

ومضات شعرية

GMT 17:02 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

التنوع الثقافي لا يُفسد للود قضية

GMT 16:58 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

" واقتلع الشوق ماتبقى مني "

GMT 18:14 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

يوسف السباعي فارس قتلته السياسة وأحياه الحبــ

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon