تابوت مستغانمي
ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم مسلح بشمال غرب باكستان إلى 17 قتيلاً على الأقل و32 مصاباً تحطم طائرة من طراز “دا 42″ تابعة للقوات الجوية المغربية بمدينة بنسليمان استشهاد عدد من الفلسطينيين وإصابة أخرون في قصف للاحتلال الإسرائيلي على منطقة المواصي جنوب قطاع غزة غرفة عمليات حزب الله تُصدر بياناً بشأن تفاصيل اشتباك لها مع قوة إسرائيلية في بلدة طيرحرفا جنوبي لبنان وزارة الصحة اللبنانية تُعلن استشهاد 3583 شخصًا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على البلاد وقوع زلزال شدته 5.1 درجة على مقياس ريختر قبالة ساحل محافظة أومورى شمال اليابان حزب الله يُعلن تنفيذ هجومًا جويّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة شراغا شمال مدينة عكا المُحتلّة استشهاد 40 شخصاً جراء مجزرة اتكبتها ميليشيات الدعم السريع بقرية بوسط السودان المرصد السوري لحقوق الإنسان يُعلن استشهاد 4 من فصائل موالية لإيران في غارة إسرائيلية على مدينة تدمر وزارة الصحة في غزة تعلن ارتفاعاً جديداً لحصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023
أخر الأخبار

تابوت مستغانمي

تابوت مستغانمي

 لبنان اليوم -

تابوت مستغانمي

بقلم ـ عبدالله زبير

صباح من شهر يونيو/حزيران. سماء يلفها غمام خفيف يحجب شمسها المتكتمة. قد تمطر في المساء. يمر الوقت، تتقدّم عقارب الساعة، يتلاشى الغيم وتسطو الحرارة على الجسد. ترهقه. تتعبه. مشهد مألوف في صيف هيوستن. تستحيل الحياة من دون المكيّفات. هيوستن تحيا في ظل الأجواء المكيّفة. حتى بداية العشرينات من القرن الماضي، هيوستن مدينة صغيرة جدا. الحرارة والرطوبة تقتل. تدفع الناس بعيدا. يخترع "ويليس كاريير" المكيّف، ينتشر استخدامه على نطاق واسع فتلتقط  هيوستن فرصتها الثمينة في الحياة. يتغير الوضع رأسا على عقب. يبدأ موسم هجرة لا متناهي نحوها من الشرق والغرب والشمال. اليوم، هي مدينة الفرص وملجأ الباحثين عن ميلاد جديد. أولد اليوم تحت شمسها الحارقة.

لم يكن قد مر على مقامي في هيوستن أكثر من أسبوعين. مرا بهدوء تام. أقضي وقتي صباحا أمام التلفاز وأقضي الأماسي في بركة الماء بالجوار. كنت سعيدا باكتشاف هذه الثقافة الغريبة والكشف عنها أمام عيني ومخيلتي. قرأت كثيرا عن أميركا أيام الجامعة. قرأت عن المستوطنين البيض والهنود الحمر، عن عرش بريطانيا وفكرة الاستقلال وكيف تبلورت في ظل غطرسة البريطانيين. قرأت عن بوسطن وفيلادلفيا، عن الشاي والتبغ وعن حق الأميركيين في التمثيل البرلماني. مواقف شتى ومشاهد صنعت هذا العالم الجديد. بعضها حقيقي؛ عاشه الإنسان، وبعضها من نسج الخيال أسّس للأساطير وأحيانا لعظمة زائفة. لا يهم كيف حل الإنجليز بأرض الأحلام.

لا يهم كيف وقع القائد "جون سميث" في أسر الهنود أو كيف أعتقته الأميرة الصغيرة "بوكاهونتاس" من قبضتهم ودلته على سبل الخلاص والبقاء. مات الجميع. بقي الأثر يمحصه دارسو التاريخ. عاشت أميركا. يحتفل الأميركيون اليوم بعيد الشكر وفاء لماض غابر دونا عن ضرورات النبش أو الحاجة إلى اليقين من تفصيلاته.

أجلس بالخارج. أحتسي كأس الشاي وأدندن. بعض الصبية يلعبون في الجوار كرة السلة. يمرحون. تمر سيدة بجانبي. يسبقها كلبها المرح. صاحبته وسيدته. تحييني بابتسامة عابرة. أفرح. اللطف يعين على الاندماج؛ على الغوص في الثقافة والقبول بفكرة العيش المشترك.

أنتشي بحالة التعايش هنا؛ بالحفاوة والروح القابلة للمختلفين. لا داع للغرابة! أميركا أرض المهاجرين. أبدا! القاعدة تعرف الاستثناء. تكسب حقيقتها من ملازمته ومصاحبته، جيراني صينيون. لا يرحبون ولا يسلمون. تخالهم أمواتا. الصينيون لا يحبون الإختلاط. يعيشون في عالمهم. غالبيتهم تختار العيش ب"التشاينا تاون" هنا. أي، المدينة الصينية. تنتشر هذه الحواضر في كل مكان؛ في كاليفورنيا، فلوريدا، نيويورك... وفي تكساس طبعا. مدن آسيوية كاملة الأوصاف؛ الطراز، المطاعم، اللغة، العادات وروح الشرق الأدنى. قد يقضي الصيني العمر كله بين أسوارها دون الحاجة إلى لحظة خروج. بعضهم لا يتكلم الإنجليزية على الإطلاق. أتفهم موقف الجيران. لا أبالي...أنا لست في شنغهاي!

ما السيدة وجيراني الصينيون إلا صورة من صور الحياة هنا. أنا إنسان مغترب. أعيش في متاهات لا حصر لها. حياة بين المد والجزر. فرح وحزن، يأس وطموح، حيرة ويقين. موقف يفرح؛ ينتصر لخيار الغربة وموقف صعب؛ تلعن معه الماضي والحاضر والمستقبل. لطف السيدة يزرع في تربتي إحساسا جميلا بفكرة قبول الإنسان لأخيه الإنسان وباب مسدود بجواري يبعث على القلق من فكرة الرفض. أحاول  في ساعتي هذه الانفلات من قبضة الضيق والخيبة إلى رحابة الأمل. الأمل جوهر الحياة. به يحيا المرء. دونه يموت. سأعيش مع الآخرين، سأسافر وأرحل بين الثقافات. بالبارحة، لا أعرف غير لغة المغاربة، ثقافتهم ودينهم وذهنيتهم. اليوم، أنا أطل على العالم كله ومن قريب. اليوم، أنا أعيش بين البيض والسود والهنود، بين الأوروبيين والآسيويين والأفارقة، بين الكاثوليك والبروتستانت والهندوس واليهود... بالبارحة، لا أرى غير المساجد. اليوم أنا أجاور الكنائس والمعابد...

تراودني بقايا كلمات أحلام مستغانمي من رواية عابر سرير عن الغربة، عن حياة التشرد التي يعيشها المغترب. تكتب هي أن "الغربة فاجعة يتم إدراكها على مراحل، ولا يستكمل الوعي بها إلا بانغلاق ذلك التّابوت على أسئلتك التي بقيت مفتوحة عمرا بأكمله، ولن تكون هنا يومها لتعرف كم كنت غريبا قبل ذلك؟ ولا كم ستصبح منفيا بعد الآن؟" تنطق عن هوى وروح شاعرة؛ عن حكمة الأديبة العارفة. تزيد ريبتي. أطرد شيطان كلماتها بعيدا عني. لست مستعدا بعد للغوص في هذا القاع. لم أر بعد ما يخيف أو يدفعني للسؤال. لا موت ولا توابيت ولا نفي. لم أحمل حقيبتي للسفر في الحزن. سأحتسي الشاي وأغني. سترقص روحي المرحة على وقع موسيقى الحياة. فكرة الحياة أعظم من أن تنجذب لنغمات الحزن. 

يمضي الوقت. ليل هيوستن يبعث على الارتياح. هادئ. نجوم محتشمة من أثر كثرة الأضواء. في أميركا، النجوم لا تتسيّد ولا تتبدى إلا في الخلاء. أتذكر ليالي شاطئ "بوكمور" شمالي مدينة القنيطرة. أتذكر النجوم الساطعة. ينعكس الضوء على الموج المنكسر فيزيد المشهد رونقا لا يقاوم. نجلس أحيانا للفجر. نغني ونحكي. حطب ونار وكؤوس شاي ونجوم. أشتاق. ينكسر خاطري. أسكن في خلوة الذكرى. أغفو. تمر العربات تباعا. وقع كالصمت. لا أبواق. لا شيء يزعج خلوتي الساعة.
 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تابوت مستغانمي تابوت مستغانمي



GMT 11:21 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ضفضة_مؤقتة

GMT 09:16 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 15:25 2022 الإثنين ,14 آذار/ مارس

أنور الخطيب لمحمود درويش: إذن..لماذا خرجت

GMT 17:28 2021 الأربعاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

ومضات شعرية

GMT 17:02 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

التنوع الثقافي لا يُفسد للود قضية

GMT 16:58 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

" واقتلع الشوق ماتبقى مني "

GMT 18:14 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

يوسف السباعي فارس قتلته السياسة وأحياه الحبــ

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 لبنان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 14:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 لبنان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 15:29 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تستعيد حماستك وتتمتع بسرعة بديهة

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 23:27 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 05:15 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

لجنة الانضباط تفرض عقوبات على الأندية العمانية

GMT 13:13 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 06:04 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

للمحجبات طرق تنسيق الجيليه المفتوحة لضمان اطلالة أنحف
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon