مستوطنات فلسطينية في أميركا

مستوطنات فلسطينية في أميركا

مستوطنات فلسطينية في أميركا

 لبنان اليوم -

مستوطنات فلسطينية في أميركا

بكر عويضة
بقلم : بكر عويضة

ربما أقرب المُتَخيّل للواقع هو ذاك المُستَوحى مما يرى أغلب الناس، ويسمع، من وقائع المجريات حولهم. استناداً إلى ذلك، يمكن تخيّل أن ناطقاً باسم وزارة خارجية فلسطينية غير قائمة واقعياً، أعلن ما يلي: أولاً، تشجيع بناء مستوطنات فلسطينية فوق أي جزء من الأرض الأميركية، باعتبار أن ذلك إجراء مشروع. ثانياً، دعم استيلاء الفلسطينيين على مزارع الأميركيين، وطردهم منها، لأنه ينسجم تماماً مع القانون الدولي. ثالثاً، تمويل إقامة مصانع تعليب وتغليف، بغرض تصدير المنتجات إلى مختلف أسواق الكوكب، وقد طُبِع عليها زوراً أنها منتوجات فلسطينية صُنِعت في الولايات المتحدة. رابعاً، التأكيد على أن كل ما سبق تصرف يدل على عبقرية استصلاح أراض زراعية فشل أهلها الأصليون في الاستفادة منها، ولأنه يتفق مع الأعراف الدولية، فإنه يستحق الترشيح لأكثر من جائزة في المسابقات العالمية لفنون كيف تسرق أرض غيرك، وتجيّر خيراتها لنفسك، ولأجيال تأتي بعدك.

حرصاً على تجنّب أي مساءلة قانونية، يجب المسارعة إلى الإقرار أن حقوق تحويل الكلام المُتَخيّل أعلاه إلى فيلم، مثلاً، محفوظة للسيد مايك بومبيو، ذلك أن وزير خارجية الرئيس دونالد ترمب، هو تحديداً مَنْ أوحى بما سبق، بعد إعلانه الأسبوع الماضي (19 الشهر الحالي) إلغاء السياسات الأميركية القائمة منذ كارثة 5/ 6/ 1967 برفض بناء المستوطنات الإسرائيلية فوق الأرض الفلسطينية، من منطلق أنها تصرف متعارض مع القانون الدولي. تُرى، لماذا أقدم الوزير بومبيو على هكذا إجراء، وهل المنطقة بحاجة إلى مزيد من الوقود يُصَب على نار التطرف، التي تزحف من أطراف بلاد العرب، وأقاصي العالم الإسلامي، إلى قلب الأقصى المُحتل، والنجف المشتعل؟
أولى بوزير خارجية الولايات المتحدة أن يتولى بنفسه شرح أسباب قراره هذا، وقد فعل، فماذا قال؟ هنا نص الجواب: «بعد دراسة جميع أوجه الجدل القانوني بعناية، توصلت الولايات المتحدة إلى أن بناء المستوطنات الإسرائيلية المدنية في الضفة الغربية في حد ذاته لا يتعارض مع القانون الدولي»، وتوسع السيد بومبيو في الشرح فأضاف أن «وصف بناء المستوطنات الإسرائيلية بأنه مخالف للقانون الدولي لم يُجدِ نفعاً، ولم يساعد على إحراز أي تقدم في قضية السلام». مع الاحترام الواجب لشخص وزير الخارجية الأميركي، بوسع أي مراقب محايد، وليس بالضرورة فلسطينياً أو عربياً، القول إن هكذا كلام ليس فقط مغالطاً للحقائق، بل هو يدل، من جديد، على أن الخرق في سياسات إدارة الرئيس ترمب، بشأن تحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط، قد اتسع، فعلاً، على قدرة أي راتق، مهما تمتع بمهارة العوم، وخبرة تفادي الغرق في تقلبّات المحيط السياسي.
كلا، ليس ممكناً، أن تكون وسيطاً في نزاع تصبح طرفاً فيه بعدما تحشر أنفك في أشد تفاصيله حساسية، ثم تتخندق إلى جانب أحد طرفيه كتفاً إلى كتف، بما يجعلك شريكاً له. إن أقل ما يجب فعله، إذا الحال أضحى كذلك، هو الخضوع للمنطق، فتقول بوضوح إنك غسلت يديك من مبدأ أمانة التوسط وقبلت، بكل رضاك، وكامل قواك العقلية، أن تتورط مع الطرف الآخر حتى نهاية الشوط. يحق ما سبق من توصيف في أي نزاع عادي، مثل الذي قد ينشب بين مالِكي منزلين حول سنتمترات تتعلق بارتفاع، أو طول، السور الفاصل بينهما، فكيف إذا الصراع قائمٌ فوق أرض قُدِّر لها، منذ زمن سحيق، أن تظل ميدان تصارع بين الحق المشروع والباطل المزعوم، حتى أجل غير مُسمى؟ أليس الأجدر بكل من يتصدى لمهمة وضع حد لدوامة الحروب بين شعبي تلك الأرض، أن يتحلى بمبادئ إنصاف ليست تشوبها أي شائبة، فلا يقف مع البعض القوي ضد الآخر الضعيف؟
بلى، ولكنك تُسمع إذا أسمعت حياً، بمعنى أن العدل إنْ لم ينبض في القلوب أولاً، فلن ترى، أو تسمع، صدى له بأي من بقية الجسم. ليس هذا مقتصراً على ظلم أغلب السياسات الأميركية تجاه الفلسطينيين، سواء بشأن المستوطنات أو غيرها، بل هو يشمل الظلم الممارس من قبل مسلمين وعرب ضد بعضهم بعضاً. نعم، قيل في ذلك الكثير، وسوف يقال، ما دام أن الدليل قائم ومتواصل في ممارسات إيران خامنئي، وتركيا إردوغان، سواء مباشرة، أو عبر وكلائهما، في العراق وليبيا ولبنان، وأساساً في فلسطين ذاتها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستوطنات فلسطينية في أميركا مستوطنات فلسطينية في أميركا



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon