محمد سلماوي
عانينا طويلاً من ذلك الانقطاع غير الطبيعى بين السياسة والثقافة، الذى جعل السلطة السياسية تُقصى رجال الفكر والأدب والثقافة لعقود طويلة، ولا تلتقى بهم إلا فى المناسبات الاحتفالية، بينما وجدنا فى كل مراحل الانتعاش أن السلطة الحاكمة تتفاعل بالحوار والنقاش والمشاورة مع الفكر والثقافة، فوجدنا ديجول فى فرنسا يجلس إلى جواره الكاتب الكبير أندريه مالرو، وفيلى برانت فى ألمانيا يجلس إلى جواره كاتب نوبل جونتر جراس.
ونحن فى مصر الآن أمام رئيس يؤمن بدور الثقافة والمثقفين فى صناعة نهضة مصر، ويؤمن بأن قيمة الحاكم تتصل بمستوى الثقافة التى تحيط به، وقد سُـئل فى لقائنا الأخير عن مقولته بأن عبدالناصر كان محظوظاً، فقال: نعم، ففى عصره كانت التى تغنى هى أم كلثوم، والذى يكتب هو توفيق الحكيم، والتى تمثل هى فاتن حمامة.
من منطلق هذا الإيمان بدور الثقافة التى وصفها الرئيس بـ«القوة الناعمة التى صنعت مجد مصر على مر العصور»، كانت الدعوة الكريمة للقاء الأدباء والمثقفين أمس الأول فى اجتماع دام قرابة الـ5 ساعات تخللتها استراحة لمدة 15 دقيقة.
وقد عجبت أن تعاملت الصحافة والإعلام مع هذا الاجتماع وكأنه مؤتمر صحفى، فاهتمت فقط بما صرح به الرئيس خلال الاجتماع بينما اختار الرئيس أن يمضى الوقت الأكبر من الاجتماع فى الاستماع إلى أفكار المثقفين وآرائهم، ورغم أنه كانت للرئيس تصريحات غاية فى الأهمية فى مختلف الموضوعات التى طرحت، إلا أنها جاءت كلها رداً على استفسارات الحضور، ولم تستغرق إلا ثلث الاجتماع على أكثر تقدير، حيث بدا الرئيس سعيداً بما يسمعه، يتفق معه فى بعض الأحيان ويختلف فى أحيان أخرى، ويناقش ضيوفه بعمق فى هذا الحوار الفكرى النادر.
ولقد أعجبنى حرص الرئيس على دعوة الشباب لهذا الاجتماع، فكان هناك من بين حوالى 20 من كبار الأدباء والمثقفين أربعة من جيل الشباب، هم: أحمد مراد، وطارق أمين، ومحمد صلاح العزب، ومحمد الفخرانى، وقد حرص الرئيس على الاستماع إليهم، فبعد أن أكمل الكبار حديثهم دعا الرئيس الشباب إلى الحديث قائلاً: «نستمع الآن إلى الشباب».
وقد خرج الحضور مطمئنين تماماً على مستقبل مصر فى ظل قيادة رجل يقدّر قيمة الفكر ويتواصل مع أصحابه فى تلاحم صحى بين السياسة والثقافة.