«السيدة كاف» 2  2

«السيدة كاف» (2 - 2)

«السيدة كاف» (2 - 2)

 لبنان اليوم -

«السيدة كاف» 2  2

عمار علي حسن

ويعتمد الكاتب عاطف عبيد فى مجموعته القصصية «السيدة كاف» على طريقة الحذف والإزاحة، إذ إن المسكوت عنه أو الفراغات فى قصصه شاسعة، وعلى القارئ أن يملأها من عنده، إذ يطرح ومضة واحدة فى حياة كل شخصية من شخصياتها، تاركاً للخيال طريقاً وسيعاً لاستكناه الكثير مما يتعلق بها؛ ملامحها وخبرتها ومسارها. وبلغ الحذف مداه فى أقصوصة قصيرة جداً لا تزيد على أربع كلمات يقول فيها: «أرادت التوبة: فاغتسلت بالخمر»، أو تلك التى تقول: «ساعة المطر، الكل يتذكر رأسه العارى».

وفى الغالب الأعم يميل الكاتب إلى أن ينهى كل قصة بمفارقة، فيترك القارئ يطالع السطور حتى قرب النهاية، دون أن يعرف كيف ستكتمل القصة بعد كلمات معدودات، لكنها تكتمل، وتثير فى النفس عجباً، قد يدفع إلى إعادتها للوقوف على علاقة النهاية بالبداية، ويعرف كيف يصنع الاندهاش؟ وكيف لبعض القصص أن ينطوى على فلسفة عميقة، أو يرسم صورة فنية لجانب من تدابير الحياة؟ وهى طريقة برع فيها أدباء كبار مثل المصرى محمد المخزنجى، والسورى زكريا تامر، ويبدو للأول، على الأقل، تأثير واضح على الكاتب، ليس من باب تقليده، إنما مضاهاته دون الأخذ عنه، لا سيما فى المضامين.

ويؤدى العنوان عند الكاتب وظيفة مفتاحية فى فهم القصة، أو يختزل مضمونها غير المباشر فى كلمة أو كلمتين، وبعضها ينطوى على طرافة ظاهرة مثل «ثروة الكازوزا» و«رجل وعشرة حمير» و«طرفة جدى» و«ثورة الأحذية» و«مزاح البطاطا الشقراء» و«المرأة السنترال» و«الموت على جنب»، وبعضها مأخوذ من اللغة المتداولة على ألسنة الناس مثل: «فلافل بالسمسم» و«سيجارة لف» و«حورية بنت العمدة» و«أيام عز» و«نعناع برى» و«كمال ابن خالى» و«قطعة جبن» و«معذرة زوجى العزيز».

وتحت هذه العناوين وغيرها قسم الكاتب مجموعته إلى أربعة أقسام، خصص الأخير لأقاصيص قصيرة جداً تحت عنوان «ومضات سردية»، والبقية سماها: «من مذكرات المرحوم عيسى المهدى» ووزعها على ثلاث محطات، فإن هذا التقسيم لا يعنى أبداً وضع خطوط فاصلة بين مضامين مختلفة، أو شخصيات أخرى، أو أسلوب فنى مغاير، ولا يبدو أن أول المجموعة وآخرها فيه تباعد فى مستوى الكتابة، إنما قصصه القوية والأقل قوة متناثرة فى ثنايا العمل كله، بما يعنى أن هذا التقسيم يقول بوضوح إن هناك تماهياً بين «المهدى» وبين الانكسار والهزيمة التى تسيطر على أغلب الشخصيات، وإن كان وجود هذه الشخصية التى أفردت لها قصتين وأقصوصة وظهرت بحالات متفاوتة، مسألة شكلية، لو رفعت من المجموعة ما تأثرت بها النصوص على الإطلاق.

وبعض الأقاصيص تنطوى على فلسفة أو حكم وتقدم أماثيل ظاهرة، دون إخلال بفنيتها، وقد بلغ الكاتب الذروة على هذا الدرب فى أقصوصته التى صور فيها الحرية برسم جديد، حيث يقول تحت عنوان «حرية»: «على حافة قلبى تجلس امرأة، تضحك من وراء ضلوعى، كلما مر أمام القضبان أحد.. تنادى المارة.. تعاكسهم من بين أزرار قميصى الأبيض المخطط.. وما إن يكثر عددهم تغلق أزرار القميص، وتدخل وهى تعايرهم بالحرية».

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«السيدة كاف» 2  2 «السيدة كاف» 2  2



GMT 16:45 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تحليل التحليل «السياسي»

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

هذه النغمة غير المُريحة

GMT 16:35 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

التغيير الدرامي لمسلمي وعرب أميركا تجاه ترمب

GMT 16:31 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

البحث عن «الفستان الأبيض» رحلة خجولة فى أوجاع الوطن!

GMT 16:27 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عصافير عدّة بحجر واحد

GMT 16:21 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

GMT 16:18 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شوية كرامة بَسْ

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:39 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
 لبنان اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 19:31 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة
 لبنان اليوم - نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة

GMT 06:48 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

توقعات برج الميزان لشهر أكتوبر / تشرين الأول 2024

GMT 10:20 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

معرض الجبل للفن برعاية حركة لبنان الشباب

GMT 21:10 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 06:05 2024 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي الإنكليزي يتصدًر قائمة أفضل 10 أندية فى العالم

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 12:31 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

أفضل أنواع الماسكارا المقاومة للماء

GMT 17:22 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon