عمار علي حسن
ما جرى من محاولات لتحديد دين للدولة أو وضع الدين ضمن الإطار العام الذى يحكم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية فى دساتير مصر، والتى أوردته نصاً فى مقال الأمس، يشى بعدة ملاحظات يمكن ذكرها على النحو التالى: 1- استمرت عملية تحديد دين للدولة محل شد وجذب، لتعكس جانباً مهماً من الصراع المدنى الدينى فى المجتمع المصرى من ناحية، ومدى توظيف الإسلام فى كسب الشرعية من ناحية أخرى، أو خطب ود الجماعات الدينية المسيسة، أو الساعية إلى السلطة، أو استعمالها فى تعبئة الشعب حول توجهات السلطة، مثلما استغل السادات المادة الخاصة بتطبيق الشريعة فى تمرير مادة أخرى حوّلت بقاء الرئيس فى السلطة من «مدتين» إلى مدد، وجاراه الإخوان والسلفيون فى هذا.2- ظلت هذه المسألة محل اعتراض من مفكرين وساسة مدنيين احتجوا على ذلك بأن الدين مسألة تخص الأفراد، أما الدول فلا دين لها، لأنها لا تُحشر فى الآخرة، ولا تحاسب أمام الله سبحانه وتعالى، وأن أى تذرع بأن الدولة شخصية اعتبارية لتقبل فكرة أن يكون لهذه الشخصية دين هو واه، ولا يمكنه أن يقيم حجة أو برهاناً، وليس إلا طريقة للتلاعب بمشاعر الجماهير، واستغلال تدينها فى تعبئتها حول المشروع السياسى للجماعات الدينية الساعية إلى تحصيل الحكم.3- تدخلت الدولة بغية التخفيف من غلواء استغلال الجماعات الدينية ذات المشروع السياسى عبر إسناد تطبيق «مبادئ الشريعة كمصدر أساسى للتشريع» إلى المشرعين أنفسهم، بحيث يضعون هم القوانين التى يمكن أن تعبر عن تجلى قيم الشرع وروحه وتصوراته العامة فى التشريع، وهى مسألة حاول الإخوان والسلفيون الالتفاف عليها وقت صناعة دستور 2012 حين أرادوا أولاً، وبشكل سافر، أن ينصوا على تفسير للشريعة وتحديد لها بأنها «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة».لكن ضغط القوى المدنية جعلهم يتراجعون إلى الحيلة بالنص فى المادة الثالثة على أخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، مطمئنين إلى انتشار مناصرى آرائهم بين علماء الأزهر، أو إلى السيطرة عليه فى المستقبل جامعاً وجامعة ومعنى وفقها ورمزاً. لكن الدولة عادت مرة أخرى لتعيد الأمر إلى نصابه بالتعديلات التى دخلت على هذا الدستور عقب الإطاحة بحكم الإخوان.4- رغم كل ما نصت عليه دساتير مصر من جعل الدين أحد الأطر الأساسية للسياسات العامة، وضمان عدم تعارض التشريعات والقوانين مع الشريعة، وتطبيق كل ما ورد فى القرآن من تشريعات، مع استبدال الحدود بعقوبات أخرى، فإن أتباع التيار الدينى الساعى إلى السلطة ظلوا طيلة الوقت يعبئون الناس حول مطلب تطبيق الشريعة، ويثيرون سخط قطاع منهم على السلطة بدعوى أنها تحارب الدين، ويرفعون فى هذا شعارات من قبيل «الإسلام هو الحل» و«القرآن دستورنا» و«قادم قادم يا إسلام»، وفى ركاب ثورة يناير استبدلوا هتاف الميادين الذى كان يصرخ «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية» بـ«الشعب يريد تطبيق شرع الله»، وكأن الشريعة كانت غائبة عن حياة المصريين.5- لا تنشغل الجماعات والتنظيمات الدينية المسيسة بالانتهاك المستمر للدستور فى أغلب مواده، خاصة باب الحريات العامة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وكل ما يعنيها طيلة الوقت هو نسبة وحجم ومقدار ومدى تطبيق مادة الشريعة، رغم أن هذه الجماعات مختلفة فيما بينها عن تحديد ماهية الشريعة أصلاً.