عمار علي حسن
تنهل الكاتبة السعودية، مصرية الهوى، الأستاذة زينب حفنى من الظروف التى تعيشها المرأة العربية عامة، والسعودية خاصة لتنسج بعض أعمالها الروائية بما يتناغم مع أطروحتها التى عبرت عنها أيضاً فى مقالات ومداخلات غير سردية، وهى تتعامل فى كل هذا بجرأة وتدخل إلى مناطق محفوفة بالمخاطر أو حقول أشواك حين تكشف «المسكوت عنه»، فى نزوع كبير إلى الحرية، وتطرح «الحل غير التقليدى» متوسلة بالأدب ومنحازة إلى كثير من الأفكار النسوية المطروحة فى مجتمعها، والتى شاركت الكاتبات فى صياغتها خلال العقد الأخير بطريقة مبهرة، وتلك التى تحفل بها سياقات اجتماعية أخرى، عربية عايشتها خارج بلدها، وأجنبية نتيجة حرصها على الاطلاع على آداب غربية ويابانية ومن أمريكا اللاتينية، كما صرحت هى فى أحد الحوارات معها.
فبعد أن تناولت فى روايتها «وسادة لحبك» العائق الطائفى أمام العلاقات العاطفية بين رجل وامرأة ومكابدات النساء فى رواية «إيقاعات أنثوية»، ومجموعتى «رسالة إلى رجل»، و«قيدك أم حريتى»، و«نساء عند خط الاستواء». ها هى تعود فى روايتها الأخيرة «هل أتاك حديثى»، لتطرق باب إساءة معاملة الرجال للنساء اللاتى يقفن عاجزات طارحات السؤال الفارق الذى سبق أن عنونت هى به عملاً لها سمته: «قيدك أم حريتى».
وتنطلق «حفنى» فى أعمالها من اقتناع تام بما تكتب وتفعل، إذ تقول فى حوار معها: «كتبت فى جميع أعمالى عن أوجه كثيرة لمعاناة المرأة ولا أعرف ما العيب فى ذلك، نعم مجتمعاتنا ما زالت ذكوريّة بامتياز، ومن حقى أن أظهر سلبياتها فى نظرتها الضيقة للمرأة برغم نجاحها وتفوقها بجميع معتركات الحياة».
وأتصور أن عنوان الرواية الأخيرة، التى تبدو ذروة ما وصلت إليه الكاتبة فى إبداعها ورؤيتها النسوية فى آن، يشى بحد ذاته فى كشف الرغبة الدفينة للمرأة فى التحقق وإسماع صوتها المكبوت والمتوارى، حين تصرخ: «هل أتاك حديثى»، متنقلة بالأساس بين بلادها ومصر التى كانت تعيش وقتها حالة ثورية لعبت فيها النساء دوراً بارزاً، وهى حالة تشكل نقطة انطلاق الرواية إذ تقول راويتها وبطلتها: «تقلبت فى فراشى. سرت رعشة برد فى أوصالى. نظرت إلى ساعة يدى الملقاة على الكوميدينو بجوارى كانت تشير إلى العاشرة والنصف صباحاً. فى العادة طقس القاهرة فى شهر يناير شديد البرودة».
وتسعى «حفنى» من خلال سرد، تتراوح لغته بين نعومة وخشونة حسب المواقف المتتابعة، إلى مواجهة الاستهانة بمكانة المرأة الاجتماعية، لتختار، كما هى عادتها، بطلة روايتها من بين الطبقة التى تعرفها، فشخصياتها الروائية والقصصية فى الغالب الأعم نساء قادرات نسبياً، مثقفات جديرات بالعناية وتحقيق الذات وشق الطريق نحو الترقى الاجتماعى، قادرات على البوح بلا تحرج ولا شعور بالخجل، متمردات على ما يكبل ألسنة النساء فى المجتمعات المغلقة، متنقلات بين تجاربهن الخاصة إلى الفضاء العام، ليقدمن أمثلة واضحة على السياق الواسع الذى يحيط بالمرأة.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)