إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين

إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين

إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين

 لبنان اليوم -

إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين

عمار علي حسن

تحديث المجتمع، فقد ظن كثيرون أن ضآلة جهود العقلانيين واضطهاد التنويريين هى التى منعت وجود تنوير وإصلاح دينى حقيقى لدى العرب المحدثين والمعاصرين، لكن هذا يمثل جانباً من المعضلة وليس كلها، وهو جانب أخف وزناً وأقل وطأة إن قيس بجانب آخر يتمثل فى ضرورة تحقيق التحديث، بشتى أبعاده.

هنا يقول محمود أمين العالم بعد مراجعة ما كتبه عدد من الفلاسفة والمفكرين العرب عن أسباب عدم استمرار تنوير ابن رشد فى حياتنا، بينما استفاد منه الأوروبيون: «تخلف الشروط الموضوعية والاقتصادية والاجتماعية التى تتيح تجسيد التنوير فى مجتمعاتنا وازدهار العقلانية، وغياب التنوير، هو حصاد موضوعى لهشاشة التحديث.. فلا تنوير بغير تحديث.. ولهذا فليس ثمة مفارقة بين تنوير ابن رشد فى أوروبا وتعتيمه فى عالمنا العربى، وإنما هو اختلاف بين مجتمع كان ينمو ومجتمع آخر يتخلف، ولا يزال متخلفاً، ولذا فلا سبيل لاستعادة ابن رشد واستلهامه وتمثله، بل تجاوزه، بغير مشروع تنموى تصنيعى زراعى إنتاجى هيكلى شامل، يغير ويطور البنيات الأساسية لمجتمعاتنا العربية».

لكن هناك من يدعو إلى عدم انتظار نضوح الشروط الاجتماعية، فى سبيل تحقيق التنوير وإنتاج الديمقراطية، فها هو محمد جابر الأنصارى يقول: «إذا كان المناخ الاجتماعى العام هو الحائل دون العطاء الفكرى، فمتى كان التاريخ رحيماً بأهل الفكر والثقافة؟ ألم تحرق أوروبا علماءها الأوائل الذين قالوا بكروية الأرض ونحو ذلك؟ ولكن الفكر الأوروبى، رغم هذا، مضى فى طريقه بالعطاء والتجديد، ولم ينتظر مجىء الديمقراطية، بل هو الذى أوجدها وخلقها فى نهاية المطاف، أوجدها بتقديم الأفكار الجديدة، والبرامج العملية، والصيغ المناسبة، وهذه حقيقة جديرة بالتأمل. إن الفكر الأوروبى هو الأب التاريخى للديمقراطية الأوروبية، وليس العكس، الديمقراطية وليدة الفكر الريادى المبدع، وليست سابقة له، فلماذا يصر المفكرون العرب على وضع العربة أمام الحصان، ويصرون بسذاجة قائلين: أعطونا ديمقراطية نعطيكم فكراً، وإلا فلا، وهم يدركون حقيقة مجتمعاتهم».

فى الحقيقة ليس هناك تناقض بين الاتجاهين، فمن يربط بين التنوير بشتى أبعاده والتحديث يقف على جانب أصيل من الحقيقة، ومن يدعو إلى عدم انتظار المفكرين للإصلاح السياسى كى يقوموا بالإصلاح الفكرى، يقف أيضاً على جانب أصيل من الحقيقة، لا يقل أهمية عن الأول.

فالمفكرون يجب أن يناضلوا من أجل التنوير، أياً كانت ظروف مجتمعاتهم، وإذا كانت هذه الظروف غير مهيّأة، فعليهم ألا يجلسوا صامتين متحسّرين عاجزين حيالها، بل يقدّموا الأفكار والتصورات التى تعمل على تهيئتها لتستوعب ما يطرحونه، يقدمونها للناس، فإن فهموها وآمنوا بها سيضغطون هم من أجل التغيير، أو يتصرّفون فرادى فى اتجاهه، فيحدث ولو تدريجياً، لأن السلطة ساعتها لن يكون أمامها من سبيل سوى الاستجابة لما يطلبه الناس، وإلا فقدت شرعيتها، وتحولت إلى سلطة تغلب، لا محالة ساقطة، وإن طال أمد وجودها فى الحكم.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين



GMT 16:45 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تحليل التحليل «السياسي»

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

هذه النغمة غير المُريحة

GMT 16:35 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

التغيير الدرامي لمسلمي وعرب أميركا تجاه ترمب

GMT 16:31 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

البحث عن «الفستان الأبيض» رحلة خجولة فى أوجاع الوطن!

GMT 16:27 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عصافير عدّة بحجر واحد

GMT 16:21 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

GMT 16:18 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شوية كرامة بَسْ

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:39 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
 لبنان اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 19:31 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة
 لبنان اليوم - نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة

GMT 06:48 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

توقعات برج الميزان لشهر أكتوبر / تشرين الأول 2024

GMT 10:20 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

معرض الجبل للفن برعاية حركة لبنان الشباب

GMT 21:10 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 06:05 2024 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي الإنكليزي يتصدًر قائمة أفضل 10 أندية فى العالم

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 12:31 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

أفضل أنواع الماسكارا المقاومة للماء

GMT 17:22 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon