عمار علي حسن
وحتى تمتلك الاستطلاعات قدرة على التنبؤ فلا بد ابتداء من توافر سلامة هذه الاستطلاعات وتنزيهها عن بعض الأغراض المعوجة، وهى مسألة لا توفرها الاحترازات السابق ذكرها بل تعتمد على أمور أخرى منها على سبيل المثال:
أ- يجب أن تصمم أسئلة استطلاعات الرأى، شكلاً ومضموناً، بما يلائم المجتمع الذى يجرى فيه الاستطلاع. فبعض الأشكال والمضامين المعدة لمجتمع آخر قد لا تصلح بالضرورة فى سياق مغاير، وإن تم الاعتماد عليها فقد لا تأتى نتائجها دقيقة تساعدنا على التنبؤ بسلوك المجتمع المبحوث واتجاهاته. فما يصلح للمجتمعات المنفتحة الحرة التى يشعر أفرادها بالاقتدار السياسى الذين قد تلقوا تعليماً يساعدهم على التفكير العلمى، لا ينفع فى مجتمعات منغلقة ومقيدة وأفرادها يفقدون الثقة فى أنفسهم وتنمو فيها الشائعات والخرافات ويعتمد الناس على الثقافة السمعية فى تحصيل المعرفة، ويغيب التفكير العلمى بما يجعل أفرادها مفتقرين للقدرة على الشك والنقد والتفنيد والتحليل واكتشاف المغالطات المنطقية والرد عليها.
ب- تدريب الباحثين على استكناه المستقبل، فالقائمون بالاستطلاع هم أناس تم تكوينهم فى الماضى، وفق معطياته وشروطه ورهاناته، وحتى الحاضر الذى يعيشون فيه هو ماضٍ بالنسبة لمن وما سيأتى فى المستقبل، وبالتالى فهؤلاء يسحبون أحياناً معرفتهم بالماضى على المستقبل، بما يخل بدقة النتائج وقدرة المنتج على التنبؤ بالآتى.
ج- ضرورة أن يكون هناك ضبط ومراقبة على الاستطلاعات حتى لا تستخدم، من خلال نتائج محددة سلفاً، فى تزييف الوعى بما يؤدى إلى دفع الناس فى اتجاه معين يخدم مصلحة الأطراف التى تقف وراء الاستطلاع سواء كانت السلطة السياسية أو مرشحين فى الانتخابات أو أصحاب الشركات. وقد يأتى الضبط المطلوب من قِبل المجتمع، وذلك بواسطة مؤسساته وقادة الرأى فيه، الذين يجب أن ينزعوا باستمرار إلى ضرورة أن تكون الأدوات المنهجية للاستطلاعات علمية من حيث الدقة والنزاهة والتجرد والحياد. وقد يأتى الضبط من خلال تشريعات وقوانين تحدد عقوبات على كل من يزيف استطلاعات الرأى أو يختلق نتائج سواء بالتزوير أو بطرح أسئلة إيحائية، بُغية استخدام النتيجة فى تزييف وعى الجمهور.
د- ضرورة أن تتمتع وحدات قياس الرأى العام بالاستقلال المالى والإدارى، وأن تعلن بكل شفافية الجهات التى تمولها عن طريق الهبات المقطوعة والتبرعات المنتظمة. وإذا كان المستطلعون تابعين لوزارة أو حزب سياسى أو شركة خاصة، فلا بد من ضبط الاستطلاع عن طريق الرقابة والخضوع للقانون علاوة على المسائل المنهجية والشكلية والمضمونية والقواعد المهنية والأخلاقية.
ومن دون شك فإن أخذ هذه الضوابط فى الحسبان سيزيد من قدرة استطلاع الرأى على التنبؤ بسلوك المجتمع المبحوث أو المستطلع رأيه، مع الأخذ فى الاعتبار أن النتائج هنا لا تعطينا بدقة ما سيأتى فى المستقبل المنظور بل تقربنا منه أو تكشف بعض جوانبه أمامنا.