عمار علي حسن
ما إن تطالع عنوان المجموعة القصصية الأخيرة للأديب مكاوى سعيد حتى تمسك مفتاح قراءة حكاياتها التى تقطر بالأوجاع والأحزان، وتتهادى على مهل صانعة جواً مقبضاً، لا يمنعك من أن تتعاطف مع تلك الشخصيات الموزعة على أعمار شتى؛ أطفال ومراهقين وكهول. وتروق لك بساطة اللغة ووصولها إلى المعانى المقصودة من أقصر طريق، وتعجبك بعض الصور الموصوفة أو المرسومة بعناية، والنهايات المفارقة التى تمنحك قدراً معقولاً من الدهشة. وإلى جانب هذه الأمور المتعلقة بالشكل، فإن عنوان المجموعة ومضمونها ربما جاء ليتماشى مع حالة الأسى والحيرة التى سيطرت على المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة جراء محاولة إجهاض ثورة يناير وحرفها عن مسارها، وهى الأجواء التى أبدع فيها الكاتب مجموعته عبر سنتين من الكتابة.
فى «البهجة تحزم حقائبها» لا يكتب «مكاوى» عن عالم لا يعرفه، بل يلتقط فى براعة تفاصيل حياة عايشها وكابدها وتأملها فى روية، وسحب شخوصها وطقوسها على الورق لينسج منها حكاياته، التى يضيفها إلى رصيد سابق من الروايات والقصص، يتراكم بمرور السنين، ويجعل منه واحداً من الشاهدين على أحوال قطاع عريض من المجتمع القاهرى، ينتمى إلى شريحة من الطبقة الوسطى وكل درجات الطبقة الكادحة والضائعة والتائهة واللاهثة وراء أى لون من المسرات يخفف وطأة الألم الذى يخلقه القهر والخوف والمرض والتشرد والرغبة المحمومة فى التحقق، ولا يخفف منه الهروب فى التفاصيل أو اللجوء إلى الخرافات والمخدرات وكل أسباب تؤدى إلى الغياب المؤقت والزائف.
تشمل المجموعة التى صدرت عن دار «نون للنشر والتوزيع» فى 137 صفحة من القطع المتوسط، إحدى عشرة قصة، أولاها أخذت عنوان «ثلاثة أشكال لأبى»، وفيها طفل ضعيف يواجه غشم أب متجبر، ويتحايل على الإفلات من العقاب غير المستحق وترويض الخوف الذى ينتابه على الدوام. والقصة الثانية «أحياناً تعاودنا الدهشة» تسرد حكاية من تلك التى تجرى فى وسط القاهرة حيث شاب لا مهنة له سوى تحين أى أحوال غريبة يكون عليها المشاهير فى مطعم فخيم ليلتقط لهم صوراً ويضعها على صفحتيه على «فيس بوك» و«تويتر» وبالتالى يتحول إلى مصدر لتهديدهم، فيكرهونه ويتحاشونه، إلا أنهم لا يلبثون أن يتعاطفوا معه فى النهاية حين يخذله أصدقاؤه ولا يأتون للاحتفال معه بعيد ميلاده فى المطعم، فيصبح ضحاياه جميعاً أصحابه.
والقصة الثالثة «لم يحدث مطلقاً» تحكى عن شاب لديه جوع جارف إلى أن يعيش حالة حب مع فتاة فى مثل سنه ويكابد من أجل هذا ويتعثر ويواجه الخيبات المتلاحقة. والقصة الرابعة «المتحول» تحكى عن شخص مضطرب عقلياً يعتقد أن كائناً خرافياً هو الذى سرق لوحة «زهرة الخشخاش» من أحد متاحف القاهرة، وهى حكاية حقيقية شغلت مصر قبل ثورة يناير. والقصة الخامسة «الهابطون من السماء» عن صبى صغير يتسبب دون قصد فى وفاة طفل صغير فيحل جفاء بين أسرتين جارتين وتظل أصابع الاتهام تتجه إليه رغم براءته ويتباعد أصدقاؤه عنه وكذلك زملاؤه بالمدرسة لتشاؤمهم منه.