العصف الذهنى فى السياسة

العصف الذهنى فى السياسة

العصف الذهنى فى السياسة

 لبنان اليوم -

العصف الذهنى فى السياسة

عمار علي حسن

يعد «العصف الذهنى» من الطرق التى يمكن أن تتم بها ترجمة «روح الفريق»، وهو نوع من «إمطار الدماغ» و«القصف الذهنى» و«تدفق الأفكار»، ولذا فهو طريقة مهمة لحفز الخيال، والتدريب على التفكير الإبداعى أو الخلاق، إذ إنه يقوم أساساً على توليد وإنتاج أفكار غير مألوفة وعفوية، أو جديدة، لحل مشكلات معينة، بعد وضع الذهن فى حالة من التحفز الكامل، كى يعمل بطاقته كاملة، فى جو من الحرية، والتجريب المفتوح بلا تحديد ولا تقييد، والبناء على أفكار الآخرين، أو التوليد منها.

ويمر العصف الذهنى بعدة مراحل؛ أولاها تحدد المشكلة وتحلل عناصرها الأساسية، ثم توفير المناخ المناسب للنقاش، ووضع تصور للحلول بواسطة المشاركين، وتجميعها وإمعان النظر فيها، لاختيار أفضلها، وذلك عبر آليات معينة، منها أن يناقش الجميع الموضوع فى وقت واحد، سواء كانوا مجموعة واحدة صغيرة، أو عدة مجموعات، إن زاد عددهم.

ويبلغ حفز الخيال مداه فى العصف الذهنى حين يتم التعامل مع الأفكار الغريبة التى أوردها البعض أو المجموعة بجدية كاملة، وإعادة صياغتها بما يجعلها مستساغة علمياً، فالعصف الذهنى مرده إلى ما سماه أليكس أوزبورن «التخيل التطبيقى»، والذى رأى أنه طريقة أكفأ من العمل الفردى فى إنتاج الأفكار.

ويمكن استعمال «العصف الذهنى» فى السياسة شأنها شأن التعليم والصناعة والإدارة المكتبية وإدارة الأعمال، لكن ليس من المنتظر أو المتوقع أن يتم هذا فى اتخاذ القرارات لدى البنية العليا للسلطة السياسية، التى لديها طرق أخرى فى صناعة القرار واتخاذه، إنما يمكن أن يجرى هذا على المستويات الأدنى، سواء داخل الإدارات المحلية، أو المجالس الشعبية المحلية، خاصة تلك التى تعانى من الجمود والاستسلام للطرق التقليدية فى تسيير الأعمال. وبوسع الأحزاب السياسية أيضاً أن تدرب شبابها على مثل هذا الأسلوب فينطلق خيالهم السياسى إلى حد بعيد، فى مناقشة برنامج الحزب، ووسائله فى التعبئة والحشد والتربية السياسية، وتوسيع قواعده الاجتماعية، وزيادة درجة تأثيره ونفوذه. كما يمكن للحركات الاجتماعية المسيسة أن تفعل الأمر نفسه فى سبيل تعميق أهدافها، وتوسيع دوائر الاقتناع بخطابها ومسلكها، والأمر ذاته ينطبق على مؤسسات المجتمع المدنى، التى تسعى إلى مساهمة خلاقة فى دفع شروط الحياة إلى الأمام.

ويمكن أن يتم «العصف الذهنى» إلكترونيا، من خلال اجتماع المعنيين باتخاذ قرار فى غرفة مغلقة، وأمام كل منهم حاسوب، مرتبط بجهاز تحكم مركزى، ثم يبدأون، كل على حدة، فى وضع ما يرونه من حلول للمشكلة التى يتدارسونها كما يعن لهم وفى سرية تامة، ليبدأ بعدها تجميع المقترحات وتصنيفها واختيار البدائل الأفضل عبر التصويت، وبعدها يتم اعتمادها، توطئة للعمل بها.

ولا نبالغ هنا، ومن زاوية سياسية، إن قلنا إن حالة الحشد والتعبئة التى سبقت انطلاق انتفاضات وثورات عربية مع مطلع العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين فى بلدان عربية عدة، تخللها نوع مختلف من «العصف الذهنى» الإلكترونى، العفوى والجامح، عبر توظيف مواقع التواصل الاجتماعى Social Media، والتى كونت شبكة اجتماعية مفترضة بسرعة قصوى، وراكمت المعلومات والرؤى والأفكار حول الهدف المقصود، لتعوض مرحلياً ما عجز الناس عن تكوينه وتشكيله فى الواقع المعيش من شبكات اجتماعية حقيقية، وتزودهم بقدرة على الخروج من «التفكير الدائرى» الذى كان يصم اجتماعات القوى السياسية الراغبة فى التغيير. وقد سجلت هذه النقاط باستفاضة فى كتابى «عشت ما جرى: شهادة على ثورة يناير».

وبالطبع فإن هذه الطريقة ليست عصفاً ذهنياً بالمعنى المتعارف عليه، لكنها، ودون ترتيب من أصحابها، اتبعت بعض طرائقه واستلهمت «روح الفريق»، فبدا المشاركون فيها أشبه بدفقات مياه، تنهمر من كل حدب وصوب، وتتجمع فى نهيرات، لا تلبث أن تصب فى نهر عميق وواسع من الغضب والحنق، والرغبة الجامحة فى التغيير.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العصف الذهنى فى السياسة العصف الذهنى فى السياسة



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon