عمار علي حسن
تناولت فى مقال الأمس «الهجرة»، و«العزلة الشعورية» و«الاقتطاع» فى إطار بحث المتطرفين من الجماعات السياسية التى تستعمل الإسلام كأيديولوجية لها عن إقامة «الوطن البديل» لها، وهنا أكمل:
4- دولة الفكرة: وهناك كتاب بهذا العنوان لعضو جماعة الإخوان محمد فتحى عثمان، يرى فيه أن هذه الدولة هى حلم البشرية، وهى دولة لا تقوم على حتمية ظروف الأرض أو الدم، ولكنها تقوم على «اختيار» الإنسان، بوعيه الكامل وإرادته الحرة، وعلى أساس أن كل أرض سواء، وكل سلالة سواء. ويسند الكاتب رؤيته إلى الدولة التى أقامها الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى المدينة ويرى أنها كانت «تجربة حية مبكرة للدولة الأيديولوجية فى التاريخ! وأنها لم تكن دولة مكة أو قريش ولا دولة المدينة أو الأوس والخزرج، بل كانت دولة الإسلام، المعروض على عقل إنسان، دولة التقى فيها المهاجرون والأنصار، مع صهيب الرومى وبلال الحبشى، وسلمان الفارسى، فكانوا جميعاً أعضاء مؤسسين ومواطنين أصلاء فى هذا المجتمع وهذه الدولة».
وفضلاً عن أن ما كان أيامها لم يكن «دولة» بالمعنى الحديث، فإن وجود الرسول فيها أساسى، حين كان الوحى ينزل وكان هو يقضى ويعلم ويوصى، وهو ما لا يتوفر الآن، لكن أتباع التنظيمات المتطرفة يريدون، دون أن يعلنوا ذلك صراحة أو يجهروا به، أن تحل الجماعة أو التنظيم أو بعض قادته وأمرائه محل الرسول فى فرض التعاليم وتحديد مسار الدين، مع أن ما يقولونه يخرج فى كثير من الأحيان تماماً على الإسلام.
5- أستاذية العالم: وهى فكرة مؤسس جماعة الإخوان، تعنى الوصول إلى «قيادة العالم» بعد المرور تربية الفرد والأسرة والمجتمع المحلى على أفكار هذه الجماعة، حتى يتم بلوغ ما يسمى بـ«الأخوة الإسلامية العالمية»، وهذه الفكرة خيالية ابتداء، كما أن قيامها على أسس جماعة الإخوان وفكرتها الهشة، يصيبها باعوجاج منذ منشئها، فالجماعة التى تعلى من التنظيم على التفكير، وتعسكر مجتمعها وتمنع أفرادها من الإبداع والتخيل، لن تؤدى سيطرتها على العالم، كما تزعم، إلا بزيادة الحياة توحشاً وبؤساً.
6- إدارة التوحش: وهناك كتاب بهذا العنوان يوضح هذه الفكرة الجهنمية ويفصل فيها، وقد قصد مؤلفه، واسمه الحركى أبوبكر ناجى بـ«التوحش» حالة الفوضى العارمة التى تعم وتطم فى إقليم أو دولة ما، نظراً لانفضاض قبضة السلطة الحاكمة عنها، بما يخلق معاناة شديدة للسكان، وعلى «تنظيم القاعدة» الذى يحل محل هذه السلطة المنهارة الغائبة أن يمتلك كفاءة فى إدارة المكان والسكان إلى أن تستقر الأمور لصالحه، فيقيم إمارة إسلامية، تطبق الشريعة، وفق التصور الذى يؤمنه به التنظيم.
ما سبق يبين أن فكرة «إدارة التوحش» التى يتبناها تنظيم داعش الإرهابى فى الوقت الحالى، مرت بأطوار ومراحل متعاقبة، ودمجت بعض جوانبها، وليست كلها بالطبع، فى تصورات تبنتها تنظيمات وجماعات دينية مسيسة، أو تروم تحصيل السلطة.
وكما أن هذه الأفكار والرؤى والإجراءات التى سبقت «إدارة التوحش» كانت على قدر من الخطورة، لأنها طرحت دوماً على حساب الدولة الوطنية والمجتمع العصرى، فإن فكرة داعش تلك التى حواها كتاب، ترجمته المخابرات الأمريكية إلى اللغة الإنجليزية وقُرئ بإفراط على شبكة الإنترنت، لا تقوم إلا على هدم الدول وإثارة الفوضى العارمة، ولذا فإن التصدى لها عمل إنسانى وواجب وطنى وفرض دينى.