عمار علي حسن
حاول مفكرون عرب أن يقفوا على المعانى الأساسية والقيم الأصيلة والتصورات الكبرى فى تاريخ الفكر العربى كله بغية خدمة الحاضر والمستقبل. وتوجد مشروعات متكاملة الأركان مثل ما سطره محمد عابد الجابرى فى «نقد العقل العربى» وحسن حنفى فى «التراث والتجديد»، وما كتبه «أدونيس» وأطلق عليه «الثابت والمتحول». وهناك ما أنتجه قطسنطين زريق والطيب تيزينى وفؤاد زكريا ومحمد جابر الأنصارى وعلى حرب ونصر حامد أبوزيد وعبدالله العروى وغيرهم.
لكن هذه المشروعات الكبرى ليست ما يهمنا فى هذا المقام، إنما المحاولات الجزئية التى رمت إلى تحليل تاريخ الفكر بدرجة أساسية. وتوجد ثلاث حالات لهذا المسلك المعرفى الكلى، يمكن ذكرها على سبيل المثال لا الحصر:
1- الكتاب الذى ألفه الدكتور حسين مؤنس ووسمه بـ«تاريخ موجز للفكر العربى» ووصفه بأنه محاولة لإعادة النظر فى التراث العربى الفكرى كله، منذ العصر الجاهلى، وحتى عصرنا الحديث، وهو ليس تاريخاً للأدب العربى أو أدباء العربية، إنما هو تاريخ للفكر العربى. ثم يوضح مسار الكتاب فى كلمة على غلافه الخلفى قائلاً: «عنيت هنا بتتبع الأفكار والحركات وتطوراتها، واهتممت بالجوانب الإنسانية والصدق وأمانة الفكر ومسئوليته، ورأيت أن أساس أى فكر نافع هو الحرية والعدل.. لقد كانت غايتى أن أعيد تقييم الفكر العربى ووزن رجاله وثمراته بالميزان الصحيح.. نحن هنا نبحث عن الأفكار الأصيلة النابعة من الإسلام أولاً، ومن العروبة ثانياً، والآراء التى تعطى الفكر العربى قيمته الحقيقية». وقد طاف المؤلف عبر مقالات عديدة فى مسيرة الفقه والتصوف والأدب والعلوم الإنسانية والتطبيقية التى أنتجتها القريحة العربية الإسلامية.
2- ما كتبه لويس عوض فى كتابه عن تاريخ الفكر المصرى الحديث، وتناول فيه تاريخ تكون الفكر السياسى والاجتماعى والثقافى فى مصر والعالم العربى، وما طرأ عليه من تطورات نتيجة للمؤثرات الأجنبية، واليقظة القومية والثقافية الشاملة، وذلك عبر خمسة عناصر رئيسية، أولها يتمثل فى التجارب المختلفة لبناء هيكل الدولة وتنظيمها السياسى والإدارى والقانونى على الطراز الحديث، وثانيها عن التطورات المادية المستجدة فى العالم العربى ومصر بفعل تصفية الإقطاع التركى المملوكى وإعادة تنظيم العلاقات القومية والطبقية أيام الحملة الفرنسية، ونتيجة للثورة الصناعية والتقدم التقنى الذى جاء مع حكم محمد على باشا، أما الثالث فيتعلق بالتطورات الاجتماعية التى استجدت عن طريق الأدب والصحافة، والكلمة المكتوبة بوجه عام، أو عن طريق الاختلاط الثقافى المباشر وغير المباشر للمصريين بأوروبا، عبر البعثات العلمية والسفر، وارتياد أوروبا لمصر عن طريق الجاليات الوافدة والبعثات الدارسة. والرابع يرتبط بالتيارات الفكرية الناتجة عن الالتقاء بالحضارة الغربية، تعاوناً وصراعاً، خاصة ما يتصل بمختلف الأيديولوجيات، وعلاقة العلم بالدين. والخامس هو التيارات الأدبية والفنية، ولا سيما ما يتصل منها بتطور اللغة وأشكال التعبير الأدبى والفنى.
3- كتاب «الفكر العربى ومكانه فى التاريخ» الذى ألفه المستشرق ديلاسى أوليرى، ويعرض فى صياغة كلية نشأة الحضارة العربية الإسلامية، والظروف التى اكتنفت تكوينها وجذورها، والمؤثرات التى عملت على تشكيل مسارها. ويبدأ هذا العرض بتحليل المقدمات التى قادت إلى الفكر العربى، من فلسفات سريانية وهيلينية، والتى تم نقلها إلى «العربية»، ثم نشأة الحركات الفكرية والفلسفية، والتفاعل بين مختلف تياراتها، التى تأثرت بالثقافة الوافدة والنزعة العقلانية التى سادت فى العصور الأولى، وتلك التى نزعت إلى الحفاظ على الموروث. ويتتبع الكتاب تطور الفكر العربى فى العصر العباسى، ودور المعتزلة، وفلاسفة المشرق العربى، والمتصوفة، ومسار السلفية الإسلامية، وفلاسفة المغرب، ودور اليهود فى الحضارة العربية، ثم أثر الفلسفة العربية فى الثقافة اللاتينية.