بقلم : عمار علي حسن
ووضع الشيخ حسن العطار، الذى تولى مشيخة الأزهر فى الفترة من 1830 إلى 1834، لبنة جديدة فى بناء إصلاح التعليم الأزهرى، مستغلاً علاقته المتوازنة مع محمد على من جهة، وسعة اطلاعه من جهة ثانية، إذ كان ملماً، إلى جانب علوم الدين، بعلم الفلك والطب والكيمياء والهندسة والموسيقى والشعر، ما حدا بالمؤرخ المصرى العظيم عبدالرحمن الجبرتى إلى أن يصفه قائلاً: «قطب الفضلاء، وتاج النبلاء ذو الذكاء المتوقد والفهم المسترشد، الناظم الناثر، الآخذ من العلوم العقلية والأدبية بحظ وافر». وقد استفاد العطار مما خلفته الحملة الفرنسية من علوم، ومن رحلاته إلى أوروبا وبلاد الشام، فى سعيه إلى إصلاح الأزهر، وكانت الثمرة إنتاج جيل من رواد النهضة المصرية الحديثة، ممن تتلمذوا على يد العطار، وفى مقدمتهم رفاعة رافع الطهطاوى، ومحمد عياد الطنطاوى.
لكن الخطوة الفارقة على درب إصلاح التعليم الأزهرى جاءت فى عهد الخديو إسماعيل، ودشنها قانون صدر عام 1872، لتنظيم حصول الطلاب على شهادة «العالمية»، وتحديد المواد الدراسية بإحدى عشرة مادة زاوجت بين العلوم الدينية والأدبية، إذ حوت الفقه والأصول والحديث والتفسير والتوحيد والنحو والصرف والبيان والبديع والمعانى والمنطق. كما حدد القانون طريقة امتحان الطلاب، بأن يوضع الطالب موضع المدرس، ويصبح ممتحنوه فى موضع الطلبة، فيلقى الأول درسه ويناقشه الآخرون فى مختلف فروع العلوم، نقاشاً مستفيضاً قد يمتد لساعات طويلة، بعدها يتم الحكم على مستواه العلمى.
وبعد هذا بربع قرن تقريباً، وتحديداً عام 1896، دبت عافية الإصلاح قوية فى ربوع الأزهر، بفعل عدة قوانين صدرت فى عهد الإمام حسن النواوى، الذى تولى المشيخة خلال الفترة من 1896 إلى 1900، كان للإمام العظيم محمد عبده دور كبير فى سنها. وحددت هذه القوانين سن القبول للأزهر بخمسة عشر عاماً، شريطة الإلمام بمبادئ الكتابة والقراءة. والأهم كان إدخال عدة علوم على المناهج التعليمية الأزهرية، منها التاريخ الإسلامى والهندسة وتقويم البلدان (الجغرافيا). وبمقتضى القانون نفسه أضيفت «شهادة» قبل العالمية سميت «الأهلية»، كانت تتيح لحاملها الخطابة بالمساجد، أما من يحصل على «العالمية»، فيحق له التدريس بالأزهر.
وقد فتح الإمام محمد عبده، برؤيته المستنيرة الموسوعية، نوافذ الأزهريين على الحياة الفكرية العامة، فراح تلاميذه، أو من تأثروا بأفكاره، يكتبون إلى الصحف اليومية، بعد طول احتجاب. ومن بين هؤلاء محمد شاكر وإبراهيم الحيالى وعبدالمجيد اللبان ومحمد حسنين مخلوف، ومن بعدهم مصطفى لطفى المنفلوطى وعبدالعزيز البشرى ومصطفى عبدالرازق وقاسم أمين ومحمد الههيادى وعبدالرحمن البرقوقى، بل وصل الأمر إلى أن بعضهم أصدر مجلات أدبية، مثل «الثمرات» لحسن السندوبى، و«عكاظ» لفهيم قنديل، و«البيان» لعبدالرحمن البرقوقى، وشارك كثيرون فى الجدل الفكرى الذى أحاط بالحياة الاجتماعية والأحوال السياسية، التى سبقت وواكبت وأعقبت ثورة 1919.
وخلال عهد الإمام سليم البشرى (1900: 1902/ 1909: 1916) أنشئت «هيئة كبار العلماء»، تحديداً عام 1911، التى تغير اسمها فى ظل مشيخة الإمام محمد مصطفى المراغى (1928: 1929/1935: 1945) إلى «جماعة كبار العلماء»، وكانت تتكون من صفوة علماء الأزهر، وهى نواة لـ«مجمع البحوث الإسلامية» الذى يشتد حضوره راهناً فى الحياة الاجتماعية، إلى جانب «جبهة علماء الأزهر» التى تملأ الدنيا صخباً من خلال تعليق بعض أعضائها على الأحداث الجارية، أو رقابتهم على بعض الأعمال الفكرية والثقافية، التى يدور حولها لغط، ويتهمها البعض بالتجديف فى الدين، وهى المسألة التى زادت بشكل ملموس فى عهد إمامة الشيخ جاد الحق على جاد الحق (1982: 1996).