عمار علي حسن
هذا عنوان كتاب ألفه كاتب عصامى، يوزع وقته بين السياسة والنقد الفنى والحركة ضمن تيار بدأت رحلة تآكله من منتصف سبعينات القرن العشرين ولم تتوقف إلى الآن، ولذا يبقى كتاباً فى السياسة بواقعيتها الفجة والمريرة، بقلم فنان يحلق بأجنحة الأمل، وتحدوه رغبة جارفة صادقة فى أن يتبدل حال أهل بلدنا من الفقر والإفقار إلى الكفاية والستر، عطفاً على تجربة عبدالناصر التى رامت «العدل الاجتماعى» وسعت إليه بخطى سريعة وواثقة وثابتة.
لكن الكاتب، وهو الأستاذ «محمد بدر الدين»، لا يريد للماضى أن يعود كما كان، فهو يدرك مقدار ما جرى فى النهر من مياه، فسبعون فى المائة من الدول كانت تحكمها نظم مستبدة وشمولية وطغمائية أيام أن كان ناصر يحكم مصر، لكن ها هى الموجة الرابعة من الديمقراطية قد بدأت، وبدا أن أى دولة لا يتمكن شعبها من اختيار من يقوده محل سخرية، وأصبحت قضايا حرية التعبير وحقوق الإنسان والتعددية السياسية وتداول السلطة محل تسليم وتقدير، ولهذا يقول بدر الدين فى كتابه: «هذا الكتاب يجتهد من أجل أن يستشرف الجمهورية الثالثة، أى مشروعنا الوطنى القومى المقبل من أجل الحرية والنهوض الشامل والعدل الاجتماعى وتحرير وتوحيد الأمة.. آفاق الجمهورية الثالثة التى ليست فحسب استعادة ثورة وثورية الجمهورية الأولى أو الثورة من جديد، بل تجديد الثورة.. إنها جمهورية «25 يناير- 30 يونيو» كحلقة تستأنف وتتوج كل حلقات وحركات الوطن الثورية فى تاريخنا الوطنى والقومى الحديث والمعاصر».
هذا معناه أن المؤلف، المنتمى إلى «الناصرية» فكراً وحركة، يتعامل مع ما جرى فى 25 يناير باعتباره رغبة شعبية فى تجديد ثورة يوليو على مستوى التوجهات والرؤى، وليس قطيعة معها، ينتقل بمقتضاها الحكم إلى المدنيين، وتتراجع عسكرة «العقل» و«الإدارة» فى مصر، وهو ما كان يسعى إليه الثائرون، لا سيما الطليعة منهم، التى نظرت إلى مبارك باعتباره، وإن كان قد خرج كسلفه السادات على نهج ناصر، فإن جزءاً لا يستهان به من شرعيته، ولو على مستوى الخطاب أو الادعاء، كانت مستمدة من يوليو.
والكتاب الصادر عن «مركز النيل للدراسات الاستراتيجية» قدم له الأستاذ حمدين صباحى المرشح الرئاسى وأحد القيادات الناصرية فى مصر بقوله: «هذه الآراء والأفكار التى يطرحها الكاتب بتدقيق ورصانة وصرامة مبدئية، لا أملك بشأنها إلا أن أضع توقيعى عليها بجوار الأنبل الذى كتبها بصدق وإيمان. آثرت التركيز على الكتاب لأقول للقارئ إن كل جملة ولفظة يقرأها فى هذا الكتاب، هى صدى صادق لهذا الكاتب الصادق».
ويتفق صباحى مع الكاتب على أن الجماهير التى كانت تهتف فى الميادين إنما طلبت «إحياء جديداً للناصرية، وتأكيداً على أن مشروع عبدالناصر هو مطلب الأمة فى مستقبلها، بقدر ما كانت تجربته أهم إضاءات تاريخها الحديث». وهذه وجهة نظر يختلف فيها كثيرون، ويرون ما لم يذهب إليه الأستاذان صباحى وبدر الدين.
يقسم المؤلف كتابه إلى عشرة فصول تأخذ عناوين «بين عصر 23 يوليو وفجر 25 يناير- 30 يونيو» و«عبقرية عبدالناصر.. الأبطال العظماء ونظرية الأزياء» و«فى تسمية الناصرية» و«الناصرية.. التيار الخامس» و«عبدالناصر يقول» و«إشكالية الديمقراطية فى الناصرية من عبدالناصر إلى الناصريين.. فى ضرورة الناصرية.. فى خطورة الناصرية» و«فى يوليو الناصرية، وما حكاية أزمة مارس 54؟» و«بل الجمهورية الثالثة» وأخيراً «الناصرية بين التأصيل النظرى المطلوب والأداة التنظيمية الضرورية».
فى الفصل الأخير الذى ينتمى أكثر إلى عنوان الكتاب يطالب المؤلف بتجديد ميثاق العمل الوطنى الذى قدمه عبدالناصر فى 21 مايو 1962، باعتباره فى نظر بدر الدين يمثل «النظرية الثورية الناصرية». ولا يقف الطلب عند حد تجديد الأفكار إنما يمتد إلى تجديد الحركة، وهنا يقول: «تظل الحركة الناصرية فى مصر بحاجة ملحة إلى تأسيس تنظيم واحد كبير فاعل، يضم كل القوى، وتتكامل فيه مختلف الطاقات، بعدما حدث من اندثار وتداع منذ عام 1996».
وبغض النظر عن الاختلاف والاتفاق مع ما ذهب إليه الكاتب، كلياً أو جزئياً، فنحن أمام كتاب يلقى حجراً فى مياه الناصريين الراكدة، ويريد صاحبه، بإخلاص، أن ينفخ فى أوصال فكرة يحملها تيار منهك، لو تعافى يمكن أن يشكل رقماً ذا بال فى معادلات السياسة.
فى كل الأحوال فإن أى توجه للمراجعة والنقد والتجديد هو مسلك محمود، مطلوب من كل القوى السياسية والاتجاهات الفكرية أن تمضى فيه إلى الأمام بخطى واثقة.