عمار علي حسن
(1)
قبل ربع القرن مد «نشال» يده فى جيبى أثناء وقوفى فى «أوتوبيس» مزدحم، وسرق 70 جنيهاً دون أن أدرى، لأنى كنت غارقاً فى دهشتى، منفصلاً عن العالم بأسره، حيث أطالع سطور رواية الأديب الكبير الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال»، ولأنى (صعيدى) لا ينسى ثأره، ودوماً ما أسعى لتحويل انكسارى إلى انتصار، لم أترك صاحب الرواية حتى بعد أن رحل عن الدنيا، فتعقبته حتى حصلت على جائزته فى مجال القصة القصيرة عام 2011، ولم يكفنى هذا، فما سُرقت بسببها كانت «رواية»، فعقدت العزم على أن أحصل على الجائزة نفسها فى الرواية، وقد كان اليوم، حيث حصلت مخطوطة روايتى «بيت السنارى» على «جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابى».. أعتقد هذا يكفى لاسترداد جنيهاتى السبعين، والطيب أحسن.
(2)
اتصل بى عم فؤاد عبدالمطلب محمد، الذى سبق أن أطلقت عليه اسم العامل الفصيح، وقال لى: ذهبت إليهم لأقول لهم إننا لن تركهم بلا حساب. سألته: مَن؟ فقال: نواب البرلمان. وطلب منى أن أدخل على «جوجل»، وأتابع ما جرى، ودخلت فوجدته قد ذهب منذ أيام إلى شارع قصر العينى ووقف أمام مدخل مجلس النواب، ومعه رُزمة من الورق، عبارة عن بيان عنوانه «إنذار على يد مواطن»، راح يوزّعه على النواب الداخلين إلى الاجتماع، ليُنبّههم إلى أن الناس قد انتخبوهم من أجل أن يُحقّقوا مصلحة الشعب، ويصونوا كرامته، ويسعوا إلى تطبيق مواد الدستور الذى ارتضاه الشعب، فإن فعلوا وقف الناس وراءهم، أما إن تنكروا لكل هذا واستمروا فى الانحياز إلى مصالحهم الضيقة، وأهوائهم العابرة، ولم يطبقوا هذه المطالب فى خلال شهر، فإنه سيشرع فى جمع توقيعات لسحب الثقة منهم على غرار ما فعلته حركة «تمرد» ضد حكم جماعة الإخوان.
(3)
حين التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1985، كان اسم الأستاذ الدكتور بطرس غالى يرن فى الآذان، بعد اختياره وزيراً للتعاون الدولى، لكن هذا لم يشغلنى وزملائى، إنما ما شغلنا حقاً هو كتابه الشامل والمفيد جداً، الذى ألّفه بالمشاركة مع د. محمود خيرى عيسى «مدخل إلى العلوم السياسية»، والذى ترك بصمة فى أجيال. وكنا ننصح غير دارسى السياسة إن سألونا عن كتاب يعرفون فيه طرفاً عن كل شىء يخص هذا العلم، بأن يقتنوا هذا الكتاب على الفور. ورغم تطور علم السياسة وتشعّبه، ووجود حاجة ماسة إلى تجديد مدخل دراسته، فإن كتاب «غالى وعيسى» لم يسقط بالتقادم، وهو يظل لدىّ مثلاً ناصعاً على أننا أحياناً نتعلم من أساتذة على الورق أكثر مما نتعلم من أساتذة وقفوا أمامنا فى القاعات والمدرجات. فـ«غالى» لم يُدرّس لى قط، لكننى رأيته مرات قليلة فى مناسبات متفرقة أثناء مؤتمرات علمية ومناسبات بالكلية، وفى كل مرة، كنت أشعر بامتنان شديد حياله، ليس لأنه أكاديمى ودبلوماسى مصرى نابه تبوّأ منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وخرج منه بعد رفضه مذبحة قانا، التى قامت بها إسرائيل فى لبنان، لكن لأننى تهجيت أول حروف علم السياسة على صفحات كتابه، فاللهم ارحمه واجزه عن جيلنا سكينة فى رحابك يا ذا الجلال.