عمار علي حسن
أيام حكم الإخوان جمعتنى صدفة طيبة بعامل بسيط وهبه الله معرفة بالأحوال، وفصاحة فى اللسان، تزكيها وطنية خالصة، وانحياز صارم لقضايا العدل والكرامة والحرية، ورغبة واضحة فى مقاومة كل ما يؤدى إلى القعود والخذلان والركود والقهر والإكراه والظلم.كنت يومها ضيفاً على برنامج «لازم نفهم» الذى يقدمه الأستاذ مجدى الجلاد على فضائية «سى. بى. سى»، وجلس هذا الرجل الرائع بجانبى، وقدمه المذيع بأنه «عم فؤاد عبدالمطلب محمد، مبيض محارة»، فلما جاء دوره فى الكلام، أذهلنى مستوى وعيه، وقدرته على صياغة ما يريد أن يقوله فى إحكام، وبلغة صافية، تراوح بين العامية والفصحى، لكنها عميقة فى حالتيها ووجهيها.ومرت الأيام، وسقط الإخوان عن الحكم، وجاء «السيسى» إليه مرفوعاً بأناس أغلبهم من الشريحة التى ينتمى إليها عم فؤاد بتنويعاتها، أو يغلب عليهم طريقته فى التفكير والتى تمثلت بوضوح فى الوقوف خلف مصر فى مرحلة عصيبة، والنظر إلى الرئيس الحالى على اعتقاد منهم فى أنه الرجل القادر على جمع الناس حوله والعبور بهم من عنق الزجاجة.قبل أيام قليلة فوجئت باتصال من عم فؤاد، الذى كنت قد تبادلت معه رقمى هاتفينا فور انتهاء الحلقة التليفزيونية، يطلب مقابلتى. وجاءنى وجلسنا معاً نسترجع ما مضى، ونتحدث عن الحاضر، ونحاول أن نرى ما سيأتى.وتكلم عم فؤاد أكثر، ولحديثه عفوية وعذوبة وصدق، عن أحوال أمثاله من الفواعلية وعمال التراحيل واليومية، الذين يتغير الحكام، وتبقى أحوالهم على ما هى عليه، بل تزداد سوءاً فى ظل تقادم سنوات ظلمهم.قال عم فؤاد فى صراحة تامة: «أنا انتخبت السيسى، وقبل انتخابه فوضته فى التصدى للإرهاب، وكان لدى أمل عريض فيه، وبعد أكثر من سنة على حكمه آن الأوان أن نسأله ونحاسبه: ماذا فعلت لنا نحن الغلابة؟».لا يبالغ الرجل فى مطالبه، إنما هى الاحتياجات الضرورية التى تقف عند حد الكفاف، وليست الكفاية، ويفهم أن «السيسى» لا يملك عصا سحرية، وأن التركة التى ورثها ثقيلة نتيجة الخراب والفساد والاستبداد الذى ساد عقوداً من الزمن، لكنه قال لى وهو يدوس على الكلام من فرط الحماس والغيرة على مستقبل هذا البلد: «أريد من السيسى أمارة، أى أمارة، توضح لى أنه مع أمثالى، ويفكر فينا، وسينصفنا بعد كل هذا الظلم».والظلم الواقع على الرجل شأنه شأن الملايين ممن هم مثله هو تدنى الدخل، وعدم وجود أى تأمين صحى، بعد أن هجمت الأمراض بأنيابها ومخالبها وضروسها وأظافرها، وتراجع مستوى الخدمات فى السكن وتعليم الأولاد. لكن ما أدهشنى أن عم فؤاد لا يعتبر كل هذا مشكلة، أما مشكلته الأساسية، التى ينسى فيها مخاوفه ويقدم عليها خوفه حيال البلد، هو أن «السيسى لم يعد يسمعنا، أو كنا نظن أنه يسمعنا، واكتشفنا غير ذلك». ثم يغمض عينيه قليلاً، ويفتحهما عن آخرهما ويقول فى حكمة: «أتمنى أن يسمعنا قبل فوات الأوان».يا ليت وسائل الإعلام تتيح فرصة لهذا العامل الفصيح، ومن هم فى مثل ظروفه، كى يسمع الناس أصواتهم، ولو قليلاً.