عمار علي حسن
هنا إجابات عن أسئلة حول حال الثقافة والمثقفين والتعليم والعلم والمتعلمين والأمية ومكابداتها، والإعلام وسطوته، وجّهها لى الأستاذ أيمن عدلى فى حوار لموقع «أخبار مصر»، وهو الموقع الرسمى للإذاعة والتليفزيون المصرى. ونظراً لأهمية ما طُرح من أسئلة، أعرضها وإجاباتها لقراء جريدة واسعة الانتشار ومؤثرة مثل «الوطن» على مدار ثلاثة أيام.
■ كيف ترى وضع الثقافة المصرية بشكل عام؟
- الثقافة فى مصر مريضة، شأنها شأن أشياء كثيرة، لكن قدرتها على التعافى أكبر وأسرع من كل الأشياء، فأنت تستطيع أن تنفذ خطة للنهوض بالثقافة لأن بنيتها الأساسية لم تتهالك كلية، بينما تجد صعوبة فى النهوض بقطاع الصحة أو التعليم مثلاً، لأن حجم التراجع فيهما كبير.
فى الوقت ذاته لم تعدم مصر فى أى من مراحل ضعفها مثقفين حقيقيين لديهم قدرة على إبداع خلاق، وانحياز واضح للشعب فى خياراته، واطلاع مستمر على العطاء الحضارى للأمم الأخرى والاستفادة منه، وقدرة على مواجهة عسف السلطة أو عشوائية قراراتها.
■ وماذا عن دور المثقفين المصريين فى بناء الدولة المصرية مستقبلاً؟
- لعب المثقف دوراً مهماً فى بناء مصر الحديثة، وتجلى هذا بشكل لا لبس فيه فى عطاء رفاعة الطهطاوى وعلى مبارك، وإذا أخذنا الثقافة بمعناها الواسع، سنجد أن لحظات التقدم والنهضة فى تاريخ الأمة المصرية قامت فى جانب منها على جهد كل من لديه قدرة عالية على العطاء فى الفكر والحركة، ويكفى أن نقول أيضاً إن الكتّاب والفنانين والمفكرين وأصحاب الخبرات الذين كانوا نتاج ثورة 1919 هم من ساعدوا مصر عقب 1952 فى أن يكون لها مشروع كبير.
عطفاً على هذا ننتظر من المثقفين ألا يخذلوا مجتمعهم فى السنوات المقبلة، حيث يريد الناس لثورتَى يناير ويونيو أن تأتيا أكلهما، وهذا الإتيان لن يكتمل إلا بدور بارز للأدباء والفنانين والفلاسفة ومنتجى الأفكار بشتى صنوفها والخبراء والحركيين الذين ينطلقون إلى البناء، وهذا الدور مزدوج فى نصح السلطة أو التصدى لها إن لزم الأمر وفى قيادة الناس والأخذ بأيديهم وتبصيرهم، وفى الحالتين لا بد من طرح الأفكار الجديدة التى تفتح باباً وسيعاً نحو مجتمع عصرى يستحقه المصريون بجدارة.
■ ألم يلحق بالمثقفين أذى من الصورة التى رُسمت للنخبة فى مخيلة عموم الناس؟
- أزمة النخبة المصرية الحقيقية تتمثل فى عدم قدرة قطاع كبير منها على تجاوز الماضى ثقافة وممارسة، نظراً لأن كثيرين منهم تماهوا فى العلاقات والممارسات التى سادت قبل ثورة يناير 2011. والنخبة المصرية كمصطلح وجماعات تعرضت لتشويه مقصود من فلول نظام مبارك وجماعة الإخوان على حد سواء حتى يفصلوا الطليعة عن القاعدة الجماهيرية، كما أن مصطلح النخبة يُطرح بشكل غير علمى طيلة الوقت، فالنخب تنتمى إلى كل الفئات والمهن والوظائف، وهناك نخبة المثقفين ونخبة العمال ونخبة الفلاحين ونخبة الطلاب، ولهؤلاء دور كبير فى قيادة المجتمع، لكن النقاش المتداول اختصر النخبة فى قادة الأحزاب السياسية والإعلاميين البارزين. ولا يمكن لمصر أن تتقدم إلا إذا قامت النخبة فى كافة المجالات والتخصصات بأداء دور إيجابى ينحاز إلى المستقبل ويميل إلى مصلحة الناس وليس السلطة ويُعلى من المصلحة العامة على حساب المصالح الضيقة، وينفض عن كاهله الانتهازية والأثرة ويؤمن بفضيلة إنكار الذات.
■ وماذا عن اهتمام الدولة بالثقافة؟
- هناك بنية ثقافية أساسية كبيرة، لكنها مهملة ومعطلة عن العمل بفعل الكسل والفساد والعشوائية التى وصمت حياتنا بشكل عام فى العقود الأخيرة، والدولة حتى الآن لا تعطى الثقافة وزنها ولا قيمتها، وإن حاولت أن تبدو عكس ذلك. فمصر تردت أحوالها المادية إلى حد جارح، لكنها بقيت قادرة على أن تمارس دوراً ثقافياً بارزاً على الصعيد الإقليمى والدولى. وأعتقد أن عدم فهم من بيدهم القرار لدور المثقفين سيؤثر سلباً على صناعة المستقبل حتى لو جذبنا تريليونات الدولارات من أجل التشييد والبناء المادى، فنحن فى عصر الصناعات الإبداعية، كما أن معركتنا مع التطرف الدينى والإرهاب الذى يريد أن يدمر بلادنا معركة فكرية بالأساس، وهنا يكون دور المثقف فيها أصيلاً، وأعمق وأوسع بكثير من دور رجل الأمن أو رجل الأعمال.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).