صراع الهويات فى مصر 1 3

صراع الهويات فى مصر (1 -3)

صراع الهويات فى مصر (1 -3)

 لبنان اليوم -

صراع الهويات فى مصر 1 3

عمار علي حسن

لم يتعلم أى من المصريين المتصارعين حول «الهوية» فى مصر، درس التاريخ القريب أو البعيد، ولم يقرأوا تلك الحكمة السابغة التى خرج بها «نيوبرى» بعد أن راجع خصائص الطبقات الحضارية المصرية، حيث قال: «مصر وثيقة من جلد رقيق، الإنجيل مكتوب فيها فوق هيرودوت، وفوق ذلك القرآن، وتحت الجميع لا تزال الكتابة القديمة تقرأ بوضوح وجلاء».
فى سبتمبر 2011، أى بعد تسعة أشهر من قيام ثورة يناير وقبل ثلاثة أشهر من أول انتخابات برلمانية أعقبتها، طلب منى رئيس الدعوة السلفية والرجل الأهم فى حزب النور نصيحة أقدمها إليه عقب حوار أجرته مجموعة من المثقفين المدنيين، كنت واحداً منهم، مع السلفيين، فقلت له على الفور: أنصحك بأن «تكف ستة أشهر عن قراءة الفقه وتخصص هذا الوقت لقراءة الفلكلور المصرى» فامتلأ وجهه بالدهشة، وتساءل: لماذا؟ فأجبته: «لأن الفلكلور يربح فى النهاية».
لم يعمل «برهامى» بالنصيحة، وقبله جماعة الإخوان التى ظنت أن المصريين صوتوا على مشروعها أو تصورها الدينى والفكرى الذى تقع الهوية فى قلبه، وهى مسألة طالما كنت أفندها فى حينها، فدفعوا ثمناً باهظاً، أكبر بكثير من الأثمان التى دفعها كل من حاولوا اختصار هوية مصر فى جانب واحد، فرعونية، كما كان ينادى حفيد أحمد لطفى السيد وأسس حزباً لهذا الغرض قبل ثورة يناير، وبحر متوسطية، كما حلم طه حسين ومن قبله الخديو إسماعيل الذى أراد أن تكون القاهرة، مثل باريس حتى فى معمارها، أو إسلامية، كما رفعت ما تسمى بحركة «الصحوة الإسلامية» التى بدأت فى عشرينات القرن العشرين، أو عربية، حسب ما تبنى التيار القومى ولا سيما الناصرية، التى غلَّبت هذا الاتجاه على ما عداه، وفى كل هذه الحالات كان الحضور الأفريقى موجوداً، على الأقل بحكم الجغرافيا التى جعلت مصر بوابة القارة السمراء، وهى مسألة لم تكن سائدة قبل توحيد القطرين على يد الملك الفرعونى مينا، حيث كانت دلتا مصر جزءاً من القارة الآسيوية بينما الصعيد هو المنتمى إلى أفريقيا. وتقاطع الدين مع كل هذه الحالات، فنُظر إلى مصر لدى كثيرين باعتبارها جزءاً من العالم الإسلامى، فيما فرض الصراع الدولى عليها أن تكون فى «العالم الثالث» بحكم تقسيمات القرن العشرين، لكن هذه مسألة قابلة للتغير، لأنها مرتبطة بشروط اقتصادية وتقنية وقدرات عسكرية معينة.
كل هذا ربما كان فى ذهن أعضاء لجنة الخمسين الذين جلسوا ليضعوا دستور مصر الجديد، عقب ثورة يونيو، حيث نصت المادة الأولى فيه على أن «جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شىء منها، نظامها جمهورى ديمقراطى، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون. الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامى، تنتمى إلى القارة الأفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوى، وتسهم فى بناء الحضارة الإنسانية».
هنا يكونون قد حددوا الهوية بدوائر الانتماء الجغرافى والتاريخى والثقافى، لكنهم فى حقيقة الأمر سايروا السائد والمتاح والمألوف، وخضعوا لتوازنات سياسية واجتماعية فى اللحظة الراهنة، دون أن ينصاعوا إلى حقيقة دامغة تقول إن هوية مصر هى أنها «مصر»، التى كونت أقدم دولة فى تاريخ البشرية، وسعت إلى معرفة الله قبل الأديان الإبراهيمية، ووجد فيها سبعة أنبياء قبل الإسلام، وعاشت نحو سبعة قرون دولة مسيحية، وظل المسيحيون يشكلون أغلبية سكانها حتى العصر الفاطمى، أى بعد أكثر من قرنين من الفتح الإسلامى، وهى الدولة التى احتفظت بوضع خاص طيلة زمن الخلافة الإسلامية، الأموية والعباسية والعثمانية، وكانت شبه مستقلة عن السلطة المركزية فى دمشق، وبغداد وإسطنبول، ومن تولوا أمرها تشجعوا فى أغلب الأحيان على التمرد المعلن أو الصامت على السلطة المركزية محاولين أن يستقلوا بها، هكذا فعل أحمد بن طولون، وصلاح الدين الأيوبى، والظاهر بيبرس، ومحمد على الذى جهز جيشاً لمحاربة السلطان العثمانى نفسه.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع الهويات فى مصر 1 3 صراع الهويات فى مصر 1 3



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon