طقوس مصالحات الثأر

طقوس مصالحات الثأر

طقوس مصالحات الثأر

 لبنان اليوم -

طقوس مصالحات الثأر

عمار علي حسن

لم يخسر الشاعر الكبير الأستاذ فتحى عبدالسميع شاعريته حين عكف على كتابة بحث اجتماعى عميق منحه عنواناً لافتاً هو «القربان البديل.. طقوس المصالحات الثأرية فى صعيد مصر»، بل استفاد منها فى كتابة عبارات مناسبة لها، ومشحونة بالدلالات، وعامرة بالمعانى، لكنها لم تنل من علمية هذا الكتاب الذى يُعد بحثاً ميدانياً رائعاً وعميقاً ومفيداً، يستحق أن يُمنح العام المقبل جائزة الدولة التشجيعية فى علم الاجتماع عن جدارة.

ظهرت فى الكتاب قدرة فتحى عبدالسميع على التبصر والتخيل، ورغم أنه لم يقيد نفسه فى البداية بمناهج صارمة كما يفعل الأكاديميون فإن تناوله اتسم بصرامة علمية لافتة يُحسد عليها وهو يتصدى لموضوع مهم استخدم فى إنجازه مناهج جيدة فى دراسة الظاهرة الاجتماعية، مثل المنهج التاريخى، والنقد الثقافى، والمناهج التى استفاد منها علم الأنثروبولوجى، واستعمل أدوات مهمة فى جمع مادته، أغلبها قام على الملاحظة بالمشاركة ومعايشة مجتمع البحث عن كثب ولفترة طويلة، واستعان أيضاً بالأدوات المكتبية التى ذكرها فى نهاية كتابه عبر مسرد من المراجع المهمة ذات الصلة المباشرة بموضوع البحث، بل أعتقد أن الكاتب لجأ، دون أن يذكر ذلك، إلى المقابلات المتعمقة مع الشخصيات البارزة التى تنشغل بموضوع الثأر أو يكون لها دور بارز فى إنضاج المصالحات وإتمامها، بغية عبور مشكلة اجتماعية تبدو، حتى الآن، عصية على الحل، لا سيما فى الصعيد.

لقد طرحت الدراسات التى تصدت لموضوع الثأر الكثير من الأسئلة حول ظاهرته المحيرة، ومنها سؤال لم أجد إجابة عليه إلا فى كتاب الشاعر فتحى عبدالسميع. ومن تلك الأسئلة ذلك الذى يرتبط بما هو معروف عن مصر من قدرة فائقة على هضم كل الثقافات الوافدة وتذويبها، والسيطرة عليها وإخضاعها للذائقة والذهنية والنفسية المصرية، فروح مصر كانت دائماً غالبة على ما عداها ومن عداها، لكن قضية الثأر التى جاءت بها قبائل عربية عبرت البحر الأحمر وسكنت الصعيد لم تستطع مصر أن تتخلص منها، رغم قدرتها العفية على تذويب الثقافات الأخرى.

فى الكتاب ما يبين أن مصر لم تضن بروحها على حل مشكلة الثأر، فقد حاولت على مدار القرون التى خلت أن تنهى المشكلة من خلال استعادة حيلة أو طقس فرعونى يتمثل فى «القودة» التى تشكل منظومة المصالحات الثأرية، وبذا يؤكد الكتاب، بطريقة غير مباشرة، أن التراث الفرعونى لا يزال حاضراً بيننا، يحاول أن أن يلطف أو يقلل من غلواء واحدة من مشاكلنا المزمنة.

وقد توقف الكاتب فى لفتة ذكية عند دور الفن فى معالجة المشكلة، لكنه عاب على السينما والدراما عدم فهم مداخل قضية الثأر، والتعامل معها من الخارج وعلى السطح، ودون إمعان، ومن يقرأ ذلك الكتاب ويراجع كل ما رآه من مشاهد فى المسلسلات أو الأفلام حول الثأر يدرك حجم التقصير فى فهم ومعالجة تلك الظاهرة عند أغلب من كتبوا السيناريوهات ووقفوا خلف الكاميرات مخرجين وموجهين.

هذا كتاب مهم لا بد أن يُقرأ بعناية، ففيه من المتعة والإفادة والإجادة الكثير، وهو واحد من سلسلة يعكف عليها فتحى عبدالسميع ليحيطنا بظاهرة الثأر علماً، بادئاً بالتشخيص الدقيق بحثاً عن الدواء الكافى والشافى.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طقوس مصالحات الثأر طقوس مصالحات الثأر



GMT 16:45 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تحليل التحليل «السياسي»

GMT 16:42 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

هذه النغمة غير المُريحة

GMT 16:35 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

التغيير الدرامي لمسلمي وعرب أميركا تجاه ترمب

GMT 16:31 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

البحث عن «الفستان الأبيض» رحلة خجولة فى أوجاع الوطن!

GMT 16:27 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عصافير عدّة بحجر واحد

GMT 16:21 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

GMT 16:18 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شوية كرامة بَسْ

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:39 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
 لبنان اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 19:31 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة
 لبنان اليوم - نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة

GMT 06:48 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

توقعات برج الميزان لشهر أكتوبر / تشرين الأول 2024

GMT 10:20 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

معرض الجبل للفن برعاية حركة لبنان الشباب

GMT 21:10 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

"أدهم صقر" يحصد برونزية كأس العالم للخيل في باريس

GMT 06:05 2024 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي الإنكليزي يتصدًر قائمة أفضل 10 أندية فى العالم

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 12:31 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

أفضل أنواع الماسكارا المقاومة للماء

GMT 17:22 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon