عمار علي حسن
هناك شروط مبدئية يجب أن تتوافر من أجل أن يكون الإنسان حراً، مثل التعليم والثقافة، لأن الجاهل لا يستطيع أن يتخذ قرارات مستقلة، خاصة فى البلدان التى يمارس فيها الإعلام الرسمى كذباً منظماً.
كما أن الشخص الذى يعانى من العوز المادى لا يمكن أن يكون حراً، لأنه أيضاً لا يستطيع أن يتخذ قراره بمحض إرادته، ولذا تتطلب الحرية حداً معيناً من الكفاية المادية، بل إن هناك علاقة طردية بين قيمتى «الحرية» و«الكفاية»، حيث إن حرية الفرد تزداد حين تزيد فرص إشباع حاجاته، وقد كان الإسلام واضحاً فى هذه النقطة تماماً حين أقام مبدأ الحرية على دعامتين أساسيتين؛ أولاهما: تأمين الإنسان من الجوع، والثانية: تأمينه من الخوف.
وإذا تم التعامل مع الحرية السياسية على أنها رافد من روافد الحريات العامة، فإن الصعوبات التى تكتنف مفهوم الأخيرة تنسحب على مفهوم الأولى أيضاً، إذ ليس من اليسير أن نستخلص مفهوم الحرية السياسية من بين تلافيف النسيج العريض لمفهوم الحرية.
فرغم اختلاف الحرية السياسية عن الحرية الفردية فى الطبيعة والهدف ونطاق السَّرَيان وشروط الممارسة، فإن التلازم بينهما يبدو أمراً ضرورياً، فإذا كانت الحرية الفردية تحفظ للإنسان كرامته، فإن الحرية السياسية تضمن الوسائل التى تحمى الحرية الفردية، وتحدد لها نطاق حركتها.
كما أنه لا يمكن الفصل تماماً بين الحرية السياسية وكلٍّ من الحرية الاقتصادية والحرية الاجتماعية، من منطلق التلاحم بين الظاهرة السياسية وكل من الظاهرتين الاجتماعية والاقتصادية من ناحية، ونظراً للتداخل بين ألوان الحريات من ناحية أخرى.
ومع هذا فإن للحرية السياسية مظاهر خاصة بها، إلى حد ما، ترتبط أساساً بوجود الديمقراطية، مثل حرية تشكيل الهيئات كالأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية... إلخ، والانضمام إليها، وحرية التعبير، ووجود انتخابات حرة نزيهة يتنافس فيها مرشحون ويختار المواطنون بشكل حر من بينهم أولئك الذين يتولون مختلف المناصب.
وفى تصور أكثر شمولاً لمظاهر الحرية السياسية يمكن القول بأنها تتكون من عدد من المبادئ التى نادت بها الأديان السماوية والمذاهب الوضعية، ونصت عليها الدساتير المدنية، أولها: حق الشعب فى اختيار نوع الحكم الذى يريده ويناسبه، واختيار الحاكم بملء إرادته ومحاسبته، وردعه عن طريق الأجهزة النيابية والإعلامية، وسحب الثقة منه وعزله حسب دستور محدد.
وثانيها: جماعية القيادة، أى عدم استئثار فرد واحد، أو فئة معينة، أو طبقة خاصة بالحكم، وأن يلتزم الحكام برأى الجماعة أو الأغلبية.
والمبدأ الثالث هو إزالة جميع أنواع التمييز بين أبناء الشعب، وحق الفرد فى الوصول إلى جميع المناصب فى الدولة. ويتمثل الرابع فى أن يكون الفرد آمناً على حياته وماله وكرامته فى ظل سيادة القانون. أما الخامس فهو حرية إبداء الرأى السياسى، وحرية التجمع والاجتماع وتشكيل الجمعيات والأحزاب وغيرها.
بل يمكن أن نمد الحرية السياسية لتنسحب على وضع الدولة ذاتها، أى حقها فى ممارسة سيادتها، وأن تعبر فى سياستها عن مصالحها الحقيقية، وألا تكون خاضعة لإرادة دولة أخرى، أو تابعة لها.