عمار علي حسن
«التساند والإسناد».. هاتان الكلمتان هما المفتاح السحرى لحل المعضلة الليبية، كيف؟ سأطرح فيما بعد، لكن فى البداية لا بد من تشخيص المشكلة قبل البحث فى الحلول.
والمشكلة أن ليبيا لم تعد دولة موحدة، لا على المستوى النظرى أو العملى، فالخلافات اللفظية الحادة والمريرة التى اندلعت بين المتنافسين السياسيين على مواقع التواصل الاجتماعى عقب سقوط القذافى سرعان ما انتقلت إلى الميدان، واختلط الحابل بالنابل، وفتح باب الحرب على مصراعيه، وتشابكت العوامل التى تدخل منه ولا تخرج، فى اللهاث وراء الثروة والسلطة والنفوذ، وصراع القديم الذى لا يريد أن يموت، مع الجديد الذى لا يجد فرصة كى يولد.
والخلاف والشقاق فى ليبيا غاية فى التعقيد، ومفتوح فى الجبهات كافة. فهناك صراع بين قوى البيروقراطية والمؤسسة الهشة القديمة من ناحية، وبين المؤسسات الجديدة التى ترتبت على ثورة 17 فبراير من ناحية أخرى، وهناك صراع بين الجيش الضعيف والميليشيات العديدة والمتوحشة، وهى مسألة لم يُنهِها ضم الميليشيات إلى قوات الجيش المكونة من مائة ألف عنصر، والأجهزة الأمنية المكونة من ضعف هذا العدد، فرغم أن عناصرها تتلقى رواتب منتظمة من الحكومة فإنها تُبقى على ولائها لميليشياتها الأصلية، وبالتالى يصبح الجيش وقوات الأمن، التى يجب أن تكون الجهة الوحيدة التى تحتكر السلاح فى البلاد، مفككة من الناحية الواقعية، ويضرب صراع ضارٍ فى جنباتها بلا هوادة، وتدخل على الخط الصراعات القبلية التقليدية ومعها التنافس الجهوى فى بلد كان مقسماً قبل القذافى إلى ثلاث دويلات. ويتداخل القتال من أجل حيازة الثروة النفطية مع ذلك الذى يرمى إلى تحصيل النفوذ وسط نعرة قبلية مستعرة. وهناك صراع أشد وطأة بين حاملى الأفكار الدينية المتطرفة التى لا تؤمن بـ«الدولة الوطنية» وترى أنها «رجس من عمل الشيطان» أو «بدعة» وبين من يؤمنون بأن الدولة هى الكيان الاجتماعى والسياسى الجدير بالولاء.
وبينما لا تريد قوى ثورية وشريحة اجتماعية كانت مغبونة من حكم القذافى لرموز نظامه أن يعودوا إلى الواجهة، ويطلقون عليهم اسم «الأزلام» و«الطحالب»، يصارع هؤلاء من أجل الحفاظ على مكتسباتهم بمن فيهم عسكريون وساسة وأفراد أمن ورجال مال وأعمال. وفى البداية حين لم تتمكن أى من القوتين من هزيمة الأخرى استعانت بقوة خارجية بغية تحقيق هذا الهدف، فاستعان القذافى بمرتزقة من بعض البلدان الأفريقية، واستعانت القوى الاحتجاجية بقوات حلف الناتو، وهذا التدخل الخارجى فتح نافذة واسعة أمام صراعات إقليمية ودولية على الساحة الليبية، الأمر الذى ألقى بظلال كثيفة على إمكانية فض هذه التشابكات الحادة تباعاً، أو إنهاك الأطراف إلى درجة أن تؤمن جميعاً بأنه لا مناص من التفاهم. فالأموال والأسلحة التى تتدفق إلى الأراضى الليبية، وتذهب إلى ميليشيات بعينها تطيل أمد الصراع وتؤججه، وتضعف من فرص كل من يسعى إلى حلول سلمية للمعضلة الليبية.