بقلم : عمار علي حسن
فى عام 2004 أصدرت كتاباً صغيراً عن مركز الخليج للأبحاث عنوانه «العلاقات المصرية الخليجية.. جذور الماضى ومعطيات الحاضر وآفاق المستقبل»، قلت فى فصله الأخير إن الوطن العربى يؤتى من أطرافه، ويتصدع بفعل عوامل ذاتية مرتبطة بتأخر الإصلاح وتعثره، وشيوع الاستبداد والفساد، وتدبير الإرهابيين الرامين إلى زعزعة الاستقرار وإسقاط أنظمة الحكم والاستيلاء على الدول أو تفكيكها، وكذلك بفعل ضغوط إقليمية ودولية بعد احتلال العراق.
ورأيت فى هذا الكتاب أن هناك «كتلة عربية حية» لا بد لها أن تأخذ زمام المبادرة، لتحافظ على ما تبقى، أو تنقذ ما يمكن إنقاذه، ثم تبدأ تدريجياً فى استعادة بناء النظام الإقليمى العربى على أسس جديدة، تقوم على «الاعتماد المتبادل» الذى ينبنى على بناء شبكات متينة من المصالح، والتمسك بالهوية الثقافية العربية، والإصلاح الدينى، ومد جسور قوية بين الشعوب العربية، لا تتأثر بخلافات الأنظمة أو شقاقها.
فى هذا الكتاب قلت إن مصر والسعودية تشكلان الركيزة الأساسية لهذه الكتلة الحية، وهو خيار استراتيجى لا فكاك منه، وسينتهى الأمر إليه بعد طول تسويف وتجريب، ولذا فبدلاً من تضييع الوقت، فإن القاهرة والرياض عليهما أن يشرعا فى هذا الاتجاه، لا سيما أن أيامها كان البلدان ومعهما سوريا يشكلان مثلثاً عربياً، طالما كان ضامناً فى بعض الأوقات لعمل عربى مشترك عند حده الأدنى من التفاهم والتنسيق.
اليوم جرت فى الأنهار مياه كثيرة، فتغيرت الظروف، إذ شهدت بعض البلدان العربية انتفاضات وثورات، بدت كحتميات تاريخية جراء فشل النخب الحاكمة فى مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار فى بناء الدولة الوطنية المدنية الحديثة، كما تصاعدت موجة أكثر ضراوة من الإرهاب مع ظهور تنظيم داعش الذى يذهب مباشرة، ودون إبطاء، إلى محاولة التهام دول، وإقامة إمارات دينية فاشية على أنقاضها، وزاد النفوذ الإيرانى إثر استفادة طهران من أخطاء السياسة الأمريكية فى العراق، وتغير الأحوال فى اليمن ولبنان. وكل هذا يفرض على القاهرة والرياض، قبل غيرهما، ألا يترددا فى بناء نمط من تعاون ثنائى، ينطلق من إدراك خطورة اللحظة، التى صارت مرتبطة بالوجود، قبل ارتباطها بالتنمية أو الأمن.
لكل هذا فإن زيارة العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز الحالية للقاهرة تعد «تاريخية» وليس لأسباب أخرى، والتاريخ هنا لا يقوم فقط على إدراك قيادتى البلدين لخطورة الأوضاع، بل أيضاً على إيمانها فى نهاية المطاف بأن أى تباعد بينهما سيدفع البلدان ثمناً باهظاً له فى المستقبل، ومعهما سيدفع العرب جميعاً مثل هذا الثمن.
ومثل هذا التصور يجب أن يسبق بالقطع الحديث عن تعاون اقتصادى، من خلال إطلاق استثمارات وإقامة مشاريع، سواء على المستوى الحكومى أو القطاع الخاص، ويسبق كذلك الحديث عن مجرد تبديد كل ما تردد عن فتور فى علاقة البلدين، أو اختلاف كبير عما كانت عليه أيام الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
لا استقرار فى دول الخليج بدون استقرار السعودية، لكن كيف يصاغ الاستقرار بطريقة جديدة، ويكون حصيلة جهد وآليات مختلفة عن تلك التى تم تنفيذها فى الماضى. واستقرار مصر يؤثر إيجاباً على استقرار كل العرب، شريطة أن يكون قائماً على العدل ووضوح الرؤية وتحقيق الرضا الاجتماعى.
لا يضر هنا أن تكون هناك اختلافات فى وجهات النظر حيال معالجات أو مقاربات لملفات إقليمية، فالمهم هو الاتفاق على الغايات، وأولاها الحفاظ على وحدة التراب الوطنى فى كل الدول العربية، ومحاربة الإرهاب والنزوع الطائفى الشعوبى، والإصلاح الدينى، وتحديث البنى السياسية والاجتماعية، والتعاون الدائم فى مجال الدفاع.