عمار علي حسن
ظنى أن الأستاذ الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، وأستاذ القانون المعروف، لن يترك هذه الفوضى تمر، وذلك الإهمال يعيش، وأن يسمح بمعاقبة المجد، والانتصار لمن أخل وأقل، ويريد أن ينتصر للاعوجاج بسلطة الإدارة القاهرة المتجبرة، أو على الأقل المتسرعة.
والحكاية أنه منذ ثلاثين عاماً تبرع أهل الكاتب الكبير عبدالقادر المازنى، وأهل الباحث القدير الدكتور عبدالعزيز الأهوانى، بمكتبتيهما لكلية الآداب بجامعة القاهرة، وآلت المكتبتان النفيستان إلى بدروم الكلية، وألقيت الكتب فيه، بلا مراجعة وجرد وتدقيق على ما يبدو، وظل الوضع على حاله لثلاث سنوات متعاقبة، وبعدها نقلت الكتب إلى بدروم مبنى الدراسات الشرقية التابع للجامعة نفسها.
وذات يوم تم إبلاغ رئيس الجامعة بأن المكتبتين تحتويان على مراجع وكتب نادرة، منها نسخة أصلية من كتاب «وصف مصر»، الذى ألفه علماء الحملة الفرنسية فى عدة مجلدات سجلوا فيه كل أحوال البلاد والعباد فى مصر. وكان الخبر مهماً استدعى انتقال الدكتور جابر نصار إلى المكان بصحبة الدكتور محمد فتحى عبدالهادى، أستاذ المكتبات والمشرف على المكتبة، الذى كان قد طلب من موظفى المكتبة نقل مكتبتى المازنى والأهوانى من الدراسات الشرقية إلى المكتبة المركزية بمبناها القديم، الذى يعرفه أهل البحث والثقافة والفكر فى مصر قاطبة، وعند وصول «عبدالهادى» ليستطلع الأمر قبل زيارة رئيس الجامعة، أخبره الدكتور خير، المسئول عن المكتبة، أن ما تردد عن وجود نسخة أصلية من وصف مصر لا أساس له من الصحة، وأن ما اعتقد من أبلغوا رئيس الجامعة بهذا هو مجرد مجلدات قديمة جداً من صحيفة الأهرام.
وثارت شكوك حول الموضوع، وما إذا كانت النسخة الأصلية تلك كانت موجودة بالفعل ثم اختفت، أم أن الأمر كان مكذوباً من أساسه. واستدعى الأمر ضرورة إحضار الكشوف التى تم على أساسها تسلم الكتب ممن أوقفوها لكلية الآداب، ثم الكشف الثانى، الذى تم بمقتضاه نقلها وتسليمها إلى قسم الدراسات الشرقية.
وطلب موظفون فى المكتبة، وهم على حق، ضرورة تشكيل لجنة قانونية لتسليم وتسلم الكتب حتى لا يتحمل أحد مسئولية فقدان أى منها قبل نقلها إلى المكتبة المركزية، خاصة أن المكتبتين بهما بالفعل، بغض النظر عن اشتمالهما من قبل على كتاب «وصف مصر» من عدمه، كتب نادرة، وكتب أخرى مهداة إلى المازنى والأهوانى عليها توقيع كتَّاب ومفكرين من أعلام مصر.
لكن طلب الموظفين المشروع لم يرق للدكتور عبدالهادى، فسارع بتقديم مذكرة إلى رئيس الجامعة يتهم فيها الموظفين المكلفين بنقل المكتبتين إلى المكتبة المركزية بالتقصير فى عملهم، وطلب نقلهم وتحويلهم إلى التحقيق، وهو ما قبله الدكتور جابر نصار، قبل أن ينتهى التحقيق أو يسمع إلى الطرف المتهم، وهو أمر كان حرياً بأستاذ قانون كبير أن يفعله، كما كان عليه أن يعيد النظر فى المسألة برمتها، ليكشف ما إذا كان هناك تلاعب من عدمه.
وأعتقد أن كثيرين من الكتّاب والمفكرين والباحثين إن وصلت إليهم هذه المشكلة سيطلبون من الدكتور نصار أن يعيد النظر فى النقل هذا أولاً، انتصاراً للصواب، ويعمق التحقيق فى كل ما يتعلق بالمكتبتين هاتين ثانياً.
هذا هو المنتظر من رئيس جامعة القاهرة، وأعتقد أنه سيفعل ذلك بلا تردد.