«رضا إمام» وجائزة الدولة للتفوق 2  2
أخر الأخبار

«رضا إمام» وجائزة الدولة للتفوق (2 - 2)

«رضا إمام» وجائزة الدولة للتفوق (2 - 2)

 لبنان اليوم -

«رضا إمام» وجائزة الدولة للتفوق 2  2

بقلم : عمار علي حسن

تنطوى قصص الأديب الكبير الأستاذ رضا إمام، على حكايات متنوعة بين الريف والمدينة، بعضها ملتصق بالأرض، يشرب من ترابها حتى الثمالة، وبعضها يحلّق فى أجواء الفضاء البعيد، مكاناً أو خيالاً مجنحاً. بعضها كُتب بفصحى عتيدة، ووفق تراكيب خاصة بمن كتب، وبعضها باللهجة العامية أو الحكى الشفهى الدارج والمتداول على ألسنة بسطاء الناس. لكن فى الحالتين لا يتخلى «إمام» عن غنائيته، حتى لو اختلفت الضمائر عنده؛ «الأنا» و«الأنت» و«الهو»، متنقلاً أحياناً بينها فى القصة الواحدة، من دون أن يشعر من يقرأه بشىء ناشز، ولا غربة.

تتسم قصص «إمام» بالتكثيف الشديد، فأغلبها لا يزيد على صفحة، وأطولها بضع صفحات تعد على أصابع يد واحدة، ومن بينها أقاصيص قصيرة جداً لا تتجاوز كلمات تشكل سطراً واحداً، تشى بأنه كان رائداً فى هذا اللون السردى الذى يذيع صيته الآن، ويلقى تشجيعاً ظاهراً. وهذا القصر يعمقه استخدام جمل قصيرة بشكل لافت، ومثال على ذلك ما جاء فى قصة «الأرجوحة» حيث يقول: «انطلقت فيما يشبه الغناء.. الرغاء.. النعيق، وجاء نحل كثير، وأشجار راحت تتمايل، وطيور حامت، وطبول قرعت، ودفوف ضربت، وأصوات مختلطة راحت تتصاعد ما بين الغمغمة.. الصراخ.. الغناء، وهى علت ضحكتها على كل الأصوات».

والسمة الثانية لقصص «إمام» هى الميل إلى الخيال والتخيل، فى اتجاه لخلق «واقعية سحرية» أصيلة، لا سيما فى مجموعته «رجف الذاكرة»، حيث تتوحد عناصر الطبيعة ومفرداتها الجمادية، وتتفاعل مع الأحياء، نباتات وطيور وحيوانات وبشر، لصناعة أساطير مدهشة، تتصاعد درامياً لتصل إلى ذروتها قبيل النهاية، وتنتهى بمفارقة لا يحبكها على هذا النحو إلا صاحب خيال خصب، وبصيرة نافذة، وعقل متوقد، وقلم عرك الحروف، ونفس كابدت كثيراً. وقد تبدأ القصة نفسها بعنوان خيالى مثل قصة «حينما طارت الحمير صوب السحاب» و«هرولة الظلال» و«حديث النار» و«نهيق المقاعد» و«همس النخيل» و«لسع الغبار» و«شدو الصلصال» و«عطر الديدان» و«قلادة البحر» و«أشلاء البحر» و«موكب الأشلاء» و«أعشاب زجاجية» و«الرصيف أريكة مجانية للعابرين» و«جبال الهوى» و«بذور الدم».

فإن أتينا إلى التفاصيل نجد عصافير مصنوعة من الطين تطير، ورجلاً يبيع الشمس حاملاً إياها من سوق المدينة إلى القرى، وآخر يبعثر أوراده فوق الموج، ونهراً يقرأ ما يكتبه الكتاب، وأطفالاً ظهرت لهم زعانف حين أصروا على مواصلة لعب الكرة بعد أن غرق الملعب وتحول إلى بركة، وحروفاً صارت جسراً يعبر عليه الغزاة.. إلخ.

لا يقف «إمام»، المخلص لفن القصة القصيرة، عند حد نحت عالم خاص به ترسم قصصه وأقاصيصه ملامحه، عن الريف والشوارع الخلفية للمدينة والحرب والبحر والسوق والقنص والصحة التى يأكلها تقدم السنين، بل يجتهد عميقاً لينحت تراكيب لغوية وأساليب خاصة به، يمزج فيها بين المتداول على ألسنة عموم الناس وما يصنعه هو من لضم ألفاظ عربية عتيقة وذات جرس لافت، ليتراوح بين عناوين تأخذ العناوين نفسها لأغانٍ شهيرة مثل «حكاية غرامى حكاية طويلة» و«منديل الحلو»، أو دارجة مثل «ظهورات» و«عصافير الجنة» و«فردة حلق بدلاية» و«الفرة»، وبين أخرى مثل «الصراط» و«تداعيات خريفية» و«معراج العشب المحترق والرياحين» و«تجليات الحناء» و«غواية الأرصفة» و«استقصاءات الماء واليابسة» و«مراوحات الظل» و«خصف الرؤى» و«القمر وما طغى». وتلك المراوحة بين الدارج والآتى من بطن المعاجم، وبين العفوى والمدبر بعناية، وبين الخفيف والثقيل، لا يقتصر على العناوين إنما ينسحب على سطور القصص ذاتها، وفى هذا عدد بلا حساب.

قصص «إمام» مصبوغة بالغربة والوجع، ومسكونة بالمتاهات التى لا حصر لها، والتى يضيع فيها كل من على الأرض، بلا استثناء، وربما لا يجدون فرصة للخروج منها سوى بإطلاق الخيال أو اجترار الذكريات.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«رضا إمام» وجائزة الدولة للتفوق 2  2 «رضا إمام» وجائزة الدولة للتفوق 2  2



GMT 09:11 2022 السبت ,02 تموز / يوليو

«باريس» فى الأدب العربى الحديث

GMT 00:05 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

آفة أن يُحارَب الفساد باليسار ويُعان باليمين

GMT 06:32 2018 الجمعة ,11 أيار / مايو

الكتابة تحت حد السيف

GMT 05:12 2017 الجمعة ,15 أيلول / سبتمبر

سيادة «القومندان» عارف أبوالعُرِّيف

GMT 13:33 2017 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

التعليم والتطرف والإرهاب العرض والمرض والعلاج

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:39 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
 لبنان اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 19:31 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة
 لبنان اليوم - نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة

GMT 09:03 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 08:47 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

قائمة المنتخبات العربية الأكثر حصاداً للقب أمم أفريقيا

GMT 07:03 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

أشهر 5 مواقع للتزلج في أميركا الشمالية

GMT 18:54 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

رحمة رياض تعود إلى الشعر "الكيرلي" لتغير شكلها

GMT 04:56 2022 الثلاثاء ,05 تموز / يوليو

نصائح للاستمتاع بالجلسات الخارجية للمنزل

GMT 10:04 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

النظارات الشمسية الملونة موضة هذا الموسم

GMT 13:24 2023 الإثنين ,03 إبريل / نيسان

أفضل عطور الزهور لإطلالة أنثوية

GMT 22:52 2020 الثلاثاء ,28 تموز / يوليو

"فولكسفاغن" تبحث عن "جاسوس" داخل الشركة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon