أساتذة وتلاميذ
استشهاد 16 فلسطينياً بقصف إسرائيلي استهدف منزلين في شمال النصيرات وسط قطاع غزة وزير الصحة الفلسطيني يُعلن استئناف حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة غداً مدير منظمة الصحة العالمية يُؤكد أن الوضع الصحي في شمال غزة مروع ويُدين الهجوم على مستشفى كمال عدوان وفاة الفنان المصري مصطفى فهمي عن عمر يُناهز 82 عاماً بعد تدهور حالته الصحية وفاة الفنان المصري حسن يوسف اليوم عن عمر يناهز 90 عاماً وزارة الصحة اللبنانية تُعلن حصيلة الغارة الإسرائيلية على مبنى في حي الرمل بقضاء صور في محافظة الجنوب ارتفعت إلى 7 شهداء و17 جريحاً وزارة الصحة اللبنانية تُعلن ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 2653 شهيداً و12360 جريحاً الاحتلال الإسرائيلي يعتقل جميع الطواقم الطبية والجرحى في آخر مستشفى عامل بشمال غزة هيئة الطيران الإيرانية تعلن استئناف الرحلات الجوية بعد الهجوم الإسرائيلي شركة طيران أميركية تدفع ثمناً باهظاً لسوء معاملتها للمعاقين
أخر الأخبار

أساتذة وتلاميذ

أساتذة وتلاميذ

 لبنان اليوم -

أساتذة وتلاميذ

عمار علي حسن

هناك حكاية شهيرة موزعة بالتساوى على التراجم التى كتبت عن طه حسين ومحمد مندور، حدثت ذات يوم بين أروقة كلية الآداب، جامعة القاهرة، وصارت إحدى العلامات البارزة فى تاريخ العلاقة بين الأستاذ وتلميذه. فمندور كان طالباً بكلية الحقوق، لكن شوقه الجارف إلى المعرفة دفعه إلى مدرجات كلية الآداب، فجلس بين طلابها مستمعاً إلى أساتذتها، وفى مطلعهم عميد الأدب العربى، الذى لفت انتباهه وشد سمعه صوت طالب يتحدث فى الأدب بطلاقة واقتدار، فلما قربه إليه، عرف أنه ليس منتمياً رسمياً إلى الآداب، إنما إلى جارتها الحقوق.

لكن الأستاذ اكتشف أن المكان الطبيعى لتلميذه هو هنا بين دارسى البيان، وليس هناك بين دارسى البرهان، فبذل كل جهد مستطاع كى يطابق بين هواية مندور ووضعه الرسمى، فنقله إلى الآداب، وساعده وعلمه ورشحه لبعثة خارجية، تعثر فى مطلعها، ثم اجتهد فى نهايتها فأصاب ما يريد، وعاد ناقداً أدبياً بارزاً، لا ينساه أصحاب النصوص العامرة بالبلاغة والمعانى.

هذه الحكاية لم تعد تتكرر إلا نادراً، فأغلب الأساتذة لم يعودوا مهتمين بأحوال التلاميذ، ولا هؤلاء احتفظوا جميعاً بتقدير من علموهم أكثر من حرف. ومع تتابع الزمن، وفساد فى العملية التعليمية لم نعد نسمع عن أساتذة بقامة المؤرخ الكبير شفيق غربال الذى كان كلما سأله الناس عن كتبه، أشار إلى تلاميذه وقال: «كل واحد من هؤلاء كتاب لى». وفى المقابل لم نعد نعرف تلاميذ على شاكلة هؤلاء الذين تحلقوا حول غربال يسمعون منه حكايات الأمم ومساراتها، وحملوا اسمه فى المنتديات والندوات، فلا تمر إحداها إلا ونجد أحد هؤلاء يقف ويتحدث بعبارات من قبيل «هكذا علمنا أستاذنا شفيق غربال». وتعدت حالة رشيد رضا مع أستاذه محمد عبده مجرد الاستشهاد بالأقوال المأثورة والعبارات المؤثرة، إلى مستوى سعى التلميذ لجمع مشروع الأستاذ أولاً، ومحاولة استكماله ثانياً. فـ«رضا» بذل جهداً كبيراً فى لم شمل ما تناثر من كتابات «عبده» ومداخلاته المكتوبة وفتاواه المسجلة، ولولا هذا الجهد لضاع بعض ما أنتجته قريحة المجدد الكبير فى متاهات الجرائد والمجلات، وأضابير دار الإفتاء. ولم يقف رضا عند هذا الحد بل سعى إلى استكمال مشروع أستاذه، فـ«عبده» انتقل إلى الرفيق الأعلى قبل أن يتم تفسير القرآن الكريم، فاستدعى رضا ما خطه عبده، وثبته وبدأ يضيف إليه بقدر ما أسعفته إمكانياته، ليطلق على هذا كله «تفسير المنار».

وتكرر نصف هذا الأمر مع تلاميذ عالم السياسة الكبير حامد ربيع، الذى شغل حياته العلمية والفكرية فى تتبع العلاقة بين الظاهرة السياسية والأنساق الدينية والاجتماعية والاقتصادية والأدبية والنفسية، فأنتج كتباً عميقة ومتنوعة وعابرة للمعارف، وإن كان مبتدأها وخبرها يدوران حول علم السياسة. فـ«ربيع» لم يكن مهتماً بإخراج كتبه على نحو يليق بما حوته، فجاء تلاميذه ليخرجوها إلى الباحثين والكتاب والمهتمين فى إطار مشروع «نشر تراث الرواد» الذى تبناه قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد، جامعة القاهرة، حين كان يرأسه الدكتور حسن نافعة. وتم توزيع كتب ربيع على محاور، تولى إخراجها تلاميذه، الذين يحتفظون له بمودة خالصة وعرفان لا يخالطه شك، ومن بينهم الدكاترة سيف الدين عبدالفتاح، وحمدى عبدالرحمن، وحامد عبدالماجد القويسى.

ولم يكن تلاميذ عبدالوهاب المسيرى استثناءً من هذا، فمن تعلموا على يديه، واقتربوا منه، وشاركوه مشاريعه الفكرية الكبيرة لاسيما موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» ومشروع «التحيز المعرفى» لا يزالون يمجدون إنتاجه المعرفى الفارق، ويمدحون أستاذيته التى انطوت على البساطة الآسرة، والعلم الغزير، والاستئناس الأسرى الدافئ، والآمال العريضة. ولم ينبع هذا الاهتمام من فراغ، فالرجل كان مؤسسة تمشى على الأرض، لتضم بين أجنحتها عشرات من تلاميذ محبين للمعرفة، مؤمنين بالأفكار التى وهب لها المسيرى نفسه وعقله، وفتح لها باب بيته ليستقبل فى أى وقت كل من يروم اشتباكاً مع أفكاره العميقة.

لقد عرفت الإنسانية فى تاريخها المديد صوراً ناصعة لعلاقة التلميذ بأستاذه، قدمها لنا أفلاطون تلميذ سقراط، وأرسطو تلميذ أفلاطون، ورسمتها لنا التلمذة المتعاقبة لأعلام الفقه الإسلامى، مالك، وأبوحنيفة، وابن حنبل، والشافعى. وتوزعت التلمذة طيلة التاريخ بين رافدين، الأول يقوم على علاقة الوجه للوجه، حين يلتقى التلميذ أستاذه فى رواق أو مدرسة أو مكتبة، والثانى ينبنى على من تعلموا على كتب أساتذة لم يقابلوهم أبداً، وفى هذه النقطة نجد أساتذة لمن انشغلوا بالعلم وفروعه فى أرجاء الأرض، ونلفى صدقات جارية لا تنقطع تجود بها المطابع فى كل مكان، فيربى تلاميذ على سطور أساتذة، ويحصد أساتذة ثمار جهدهم المستفيض.

وقد تكبر الأستاذية فتصير أعلى قامة وقيمة من شخص واحد، أو معلم منفرد، أو أستاذ وحيد، لنجد مدرسة فكرية متكاملة، مثل «مدرسة فرانكفورت» ومدرسة «براغ» ومدرسة «دمياط» التى حملت العلم قبل وصول الحملة الفرنسية إلى مصر، ومدرسة «الإسكندرية» القديمة. وقد تتسع وتكبر مرة أخرى لتصبح حضارة كاملة، بعضها نما وساد وازدهر، وألقى بظله الوارف على كل ما حوله من البلاد، فنقلت عنه ما وسعها. وهكذا تتلمذت الحضارة الإغريقية على الحضارة الفرعونية، وتتلمذت الحضارة الرومانية على الإغريقية، ونقلت الحضارة الإسلامية عن الاثنتين، ومعهما الحضارة الفارسية والهندية والصينية، فأضافت لبنة قوية فى مسيرة المعرفة الإنسانية، بنت عليها الحضارة الغربية مداميك علمها وثقافتها.

لقد امتدت مشاهد الأستاذية والتلمذة دونما انقطاع، وزادت مع اتساع حواضر التعليم ومؤسساته، لكنها راحت تتراجع فى بلادنا حالياً مستسلمة ليد الفساد التى لطمت كل جوانب الحياة، ويد الضيق التى جعلت الأستاذ منشغلاً بما يقيم أوده ويحفظ ذويه من الفاقة، أكثر من انشغاله بما يصقل أذهان تلاميذ يسعون وراءه بحثاً عن المعرفة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أساتذة وتلاميذ أساتذة وتلاميذ



GMT 16:21 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية والألبوم العائلي القديم

GMT 16:18 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شوية كرامة بَسْ

GMT 16:15 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الجميع يخطب ود الأميركيين!

GMT 20:34 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

كأنّك تعيش أبداً... كأنّك تموت غداً

GMT 20:32 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

ختام المهرجان

GMT 20:30 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المواجهة المباشرة المؤجلة بين إسرائيل وإيران

GMT 20:28 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

صراع الحضارات... اليونان والفرس والعرب

GMT 20:25 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

واجب اللبنانيين... رغم اختلاف أولويات واشنطن

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:39 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
 لبنان اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 19:31 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة
 لبنان اليوم - نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة

GMT 09:03 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 08:47 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

قائمة المنتخبات العربية الأكثر حصاداً للقب أمم أفريقيا

GMT 07:03 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

أشهر 5 مواقع للتزلج في أميركا الشمالية

GMT 18:54 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

رحمة رياض تعود إلى الشعر "الكيرلي" لتغير شكلها

GMT 04:56 2022 الثلاثاء ,05 تموز / يوليو

نصائح للاستمتاع بالجلسات الخارجية للمنزل

GMT 10:04 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

النظارات الشمسية الملونة موضة هذا الموسم

GMT 13:24 2023 الإثنين ,03 إبريل / نيسان

أفضل عطور الزهور لإطلالة أنثوية

GMT 22:52 2020 الثلاثاء ,28 تموز / يوليو

"فولكسفاغن" تبحث عن "جاسوس" داخل الشركة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon