عمار علي حسن
لا يزال ما يُعرف عن «التنظيم الدولى لجماعة الإخوان» شحيحاً رغم سيول الكتابات التى تتناول الجماعة ساعية ألا تترك شاردةً ولا واردةً عنها، نشأةً وفكراً وتاريخاً وتكويناً، فمثل هذا التنظيم ظل مسربلاً بغموض شديد، بين من يؤكدون وجوده، لاسيما فى صفوف الأجهزة الأمنية والباحثين المتابعين لهذه الجماعة، وبين من ينكرونه فى أوساط الإخوان أنفسهم، واصفين إياه بأنه اختراع لا أساس له.
لهذا تأتى أهمية كتاب الصحفى والباحث الأستاذ هانى عبدالله «كعبة الجواسيس.. الوثائق السرية لتنظيم الإخوان الدولى» الصادر مؤخراً عن «مركز الأهرام للنشر»، والذى لم يكتفِ بالتكهنات والتخمينات والتخيلات والتوقعات حول التنظيم إنما بذل جهداً مضنياً كى يسلح ما جاء بين دفتى كتابه بالمعلومات الدقيقة التى استقاها من مراجع أصيلة ومقابلات متعمقة وتصريحات لقادة من جماعة الإخوان ومتابعات صحفية عربية وأجنبية وواحد وأربعين وثيقة مهمة، قائلاً عن نفسه فى مقدمة الكتاب: «لست ممن يطلقون الأحكام من دون روية» ثم عن كتابه: «ستكون المعلومة هى البطل، إذ تفصح المعلومات عن نفسها، تنبئ عما كان لنا، وعما لها، تحدثنا عن أخبارها، فالمعلومات مثل الزلازل والبراكين، إذا أخرجت أثقالها انفجر المستور منها فى وجه أصحابها».
ويبدأ الكتاب بتحليل وثيقة مهمة وخطيرة حول «هيكلة التنظيم الدولى للإخوان» صدرت عقب سقوط حكمهم فى مصر، تبين أن التنظيم تمكن خلال السنوات الماضية من أن يكون «رقماً مؤثراً فى المعادلات السياسية للدول الغربية»، وهو ما يظهر الآن جلياً، وأنه يحاول أن ينظم صفوفه بعدما جرى للإخوان فى مصر عبر ما يسميه «توحيد الكلمة وتنسيق المواقف فى مواجهة المؤامرات العالمية» وزيادة حجم المتعاطفين مع التنظيم فى مختلف أنحاء العالم، والمحافظة على الفكرة ووحدة الحركة، والتنسيق بين فصائل الجماعة فى مختلف الأقطار، والانطلاق من هذه إلى تحقيق الهدف الرئيسى الذى يسمونه «أستاذية العالم».
لكن أهم ما جاء فى هذه الوثيقة هو تحديد خمسة سيناريوهات لمستقبل التنظيم، الأول هو أن ينحصر دوره فى تقديم الدعم الفنى لفروع الجماعة فى الدول التى توجد فيها والتنسيق بينها، والثانى هو وجود اتفاق أو تفاهم من الفصائل التى تريد استمرار التنظيم فى إدارة العمل العالمى للإخوان بمشاركتها فى الإدارة دون مسئولية عن تمويله على أن يتحمل كل فرع مسئولية تمويل مشروعه، أما الثالث فيتمثل فى تكوين «فيدرالية» لتوسيع مشاركة ممثلين عن فروع الجماعة بكل الأقطار فى الإدارة واتخاذ القرار وتحمل الأعباء وتطوير العمل وصياغة شكل المؤسسات التابعة للتنظيم، والرابع هو الدمج الكامل بين الأقطار وفقاً للشكل الهرمى للتنظيم الموجود بالفعل مع إدخال تعديلات ترفaع كفاءته، والخامس هو تطبيق «اللامركزية» عبر تشكيل مستوى وسيط بين الإدارة العليا وقيادات الجماعة فى الأقطار عبر مكاتب قُطرية وإقليمية. ويرجح الكاتب أن تميل الجماعة فى المستقبل إلى تطبيق السيناريوهين الأخيرين.
ويوزع المؤلف كتابه على موضوعات مهمة يتخذ كل منها عنواناً لافتاً، مثل: «فى البدء كانت أمريكا»، و«حلفاء أوباما الجدد»، و«هنا سى آى إيه»، و«نيران كارنيجى الصديقة»، و«شيفرة دافنشى الإخوانية»، و«دولة البصاصين الخليجية»، و«بروتوكولات حكماء المقطم»، و«النوم مع المخابرات الفرنسية»، و«بين أحضان المخابرات الألمانية»، و«سور برلين الإخوانى»، و«أوروبا المفتوحة»، و«الطريق إلى بيروت».
وتحت هذه العناوين يسرد ويحلل بلغة متدفقة عذبة، الكثير مما يتعلق بقنوات الاتصال السرية بين الإخوان والاستخبارات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والألمانية والتركية، وخطة واشنطن لضم الإخوان إلى ما يسمى «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، والشبكة الكاملة للتنظيم الدولى فى أوروبا والولايات المتحدة، والخريطة التفصيلية لأجهزة الجماعة المجهولة لكثيرين، والشفرة السرية لمراسلات التنظيم، ووسائل الإخوان فى اختراق مجتمعات ومؤسسات دول الخليج العربى، وتفاصيل مشروع «التمكين» الذى وضعته الجماعة قبل ثورة يناير، وخدعة «التيار الإصلاحى» داخل الجماعة الذى أشاعته عن نفسها لتخدع كثيرين، وخطة الجماعة لتشكيل جيش شعبى كبديل عن القوات المسلحة المصرية.
إن هذا الكتاب يقطع خطوات واسعة وجادة نحو هتك الكثير من الأسرار التى تحيط بالتنظيم الدولى للإخوان، وتجلية الغموض الذى يكتنف سيرته ومساره، وقد بذل مؤلفه جهداً واضحاً فى سبيل جمع المعلومات وتحليلها والتنبؤ بما سيأتى، ولذا فهو كتاب يستحق القراءة، ويمكن الانطلاق منه والبناء عليه لفهم شبكات الإخوان المحلية والإقليمية والدولية.