عمار علي حسن
لم أصدق عينى، وأنا أطالع تلك المذكرة المكتوبة بخط اليد، والتى تبين أن الأمن الوطنى قد تدخل كى يستبعد عضوين منتخبين فى «الجمعية المصرية للدراسات التاريخية»، دون أن يتوقف عند أنهما منتخبان، وأن تلك جمعية أهلية، يقودها علماء ودارسون للتاريخ، وأن معاملتها على هذا النحو لا تليق، وأن واحداً من الاثنين اللذين طولب باستبعادهما أعرف جيداً أنه ليس إرهابياً ولا «مسجل خطر» ولا من أولئك الذين نهبوا المال العام، ولا يزالون يتربعون على أعلى المناصب فى الدولة، إنما هو من كان يتبوأ موقع مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية، التى تتبع رئيس الجمهورية مباشرة، حسب قانونها، ويشرف الآن على «بيت السنارى» الذى تحول إلى شعلة نشاط ثقافية.
المطلوب استبعاده هو الدكتور خالد عزب، الباحث فى الآثار وتاريخها، والمذكرة التى تريد الإطاحة به واردة من إدارة شرق مدينة نصر للشئون الاجتماعية قسم الجمعيات، تقول نصاً: «السيد رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية.. تحية طيبة/ أحيط سيادتكم علماً بأنه قد ورد إلينا كتاب الإدارة العامة للأمن، رقم 2951 بتاريخ 19/5/2015، وارد للإدارة برقم 930/4 6 2015 باستبعاد عضوية كل من السيد/ أحمد رجب حمدى، والسيد/ خالد محمد مصطفى عزب. برجاء إخطار سيادتكم بذلك ومراعاة القانون 84 لسنة 2002 وموافاتنا بما تم، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام» ثم وقعت المذكرة باسم رئيس القسم والمدير العام.
وبعد أيام أرسلت الإدارة خطاباً إلى رئيس الجمعية الأستاذ الدكتور أيمن فؤاد السيد، يطالب باستبعاد خالد عزب بقرار إدارى، وتعيين شخص آخر مكانه، رغم أن «عزب»، كما سبقت الإشارة، منتخب لجمعية أهلية. وحين استفسر «عزب» عن هذه المسألة المثيرة للاشمئزاز أبلغوه بأن الأمن الوطنى وراء هذا القرار.
من ناحيتى، لا أستغرب هذا من جهاز أمن يبدو أن بعض من فيه لم يتعلموا الدرس، ولا يعرفون حتى الآن حدود اختصاصهم، التى يجب أن تقف عند حد جمع المعلومات عن الإرهابيين والجواسيس ومن يشكلون خطراً على سلامة الدولة والمجتمع، ثم يقدمها إلى المسئولين المعنيين وجهات التحقيق، وهذه مهمة يؤيدها كل عاقل ووطنى، لكن من أسف عاد بعض رجال الأمن ليدسوا أنوفهم فى كل شىء، وبدأت عودته الكبرى فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى من خلال العودة إلى تعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، ثم التدخل فى تعيين كبار المسئولين فى مختلف المجالات، وهذا ما يشكل خطراً داهماً على الدولة، لأنه يضيّق دائرة الاختيار للمواقع والمناصب الإدارية على مقياس رضاه، ومن يرضى عنهم هم فى الغالب الأعم الأقل كفاءة، ممن يبحثون عن سند للترفيع والترقى بعيداً عن بذل الجهد وتعزيز الإمكانيات والإخلاص للوطن.
إن ما يتم من ضغوط شديدة على رئيس الجمعية كى يستجيب لهذا الطلب، الذى لا سند له من دستور أو قانون، ينبهنا جميعاً إلى ما قد يتم فى الظلام داخل وزارات ومؤسسات وهيئات ومنظمات أخرى فى طول البلاد وعرضها، وهذا والله أمر غاية فى الخطورة، ولو كان بوسعه أن ينفع أحد كان قد نفع حسنى مبارك، لكن «آفة حارتنا النسيان»، كما قال نجيب محفوظ.