عمار علي حسن
ليست التحالفات الانتخابية أمراً جديداً على مصر، لكنها لا تلبث أن تنفكّ عُراها وتذوب فى حضرة الصراعات الأيديولوجية والشخصية وتغوُّل الأمن على المجال العام، وقِصَر نفَس الساسة، وغياب فضيلة إنكار الذات، وتآكل قواعد الأحزاب وتراجع عضويتها، وافتقاد قيادتها إلى المغامرة وملَكة القيادة، علاوة على تقييد الأحزاب السياسية حتى أصبحنا قبل ثورة يناير أمام «أحزاب بلا جماهير» و«جماهير بلا أحزاب».
وهذه أعراض لمرض عضال تحول دون تحوُّل تجمُّع الأحزاب أو الأفراد حول الظفر بمقاعد البرلمان إلى تحالفات سياسية راسخة الأقدام، تقوم على توحيد المواقف فى وجه سلطة كانت جائرة فى الماضى، وأخرى تزحف نحو الجور بخطى ثابتة فى الحاضر، أو تقفز هذه التحالفات الانتخابية بأصحابها إلى دمج عدة أحزاب أو حزبين فى واحد، لا سيما إن تقاربت البرامج وتناغمت الأهداف.
والتحالفات الانتخابية فى مصر لها سمات بحكم الممارسة واضحة عياناً بياناً يمكن ذكرها على النحو التالى:
1- هى ظاهرة متكررة فى تاريخ مصر المعاصر، ففى عام 1984 تحالف حزب الوفد مع جماعة الإخوان، وفى عام 1987 تحالف حزبا العمل والأحرار مع الجماعة نفسها، وبعد ثورة يناير بدأت فكرة التحالفات مع الاستعداد للانتخابات البرلمانية عام 2011، حيث تمخّضت عنها 4 تحالفات رئيسية هى: «التحالف الديمقراطى» الذى قاده حزب الحرية والعدالة المنحل، و«التحالف الإسلامى» الذى قاده حزب النور، وتحالف الكتلة المصرية، وتحالف «الثورة مستمرة».
2- هى فى الغالب الأعم تحالفات فى وجه خصم سياسى أكثر منها فى مواجهة منافس انتخابى أو سياسى، ففى 2011 كان التحالف يرمى إلى مواجهة النخبة البرلمانية للحزب الوطنى الديمقراطى الذى تم حله، والآن التحالف يواجه جماعة الإخوان وحلفاءها.
3- رغم أن هذه التحالفات فى مواجهة «خصم سياسى» فإنها لم تدُم، ولم يشعر القائمون عليها بأن هذا الخصم على استبداده وفساده يمثل تحدياً لا تقل الاستجابة له عن التوحد فى وجهه، فتحالفات ما قبل ثورة يناير سرعان ما تفكك بعضها مستسلماً لنظام مبارك وراضياً بالفتات المتاح منه، أو إبرام الصفقات السرية معه، وتحالفات مع بعد الثورة فى مواجهة «فلول» الحزب الوطنى سرعان ما تفككت لأنها بالأساس كانت حقاً يراد به باطل، لأن جماعة الإخوان كان لها من هذا التحالف مآرب أخرى تكشفت مع مرور الأيام.
وهذه إن كانت سمة للتحالفات السابقة فإن التحالف الحالى ليس مبرّأ منها، إذ لا تزال الخلافات جارية وسارية حتى الآن بين أطراف التحالفات التى ترفع شعاراً مضمراً هو: «برلمان بلا إسلام سياسى متطرف».
4- دائماً ما يظهر حزب يخرج على إجماع الأحزاب السياسية أو رغبتها فى التحالف أو اتخاذ موقف سياسى موحد، فحزب التجمع رفض مقاطعة الانتخابات البرلمانية 1990 مثلما فعلت بقية الأحزاب، وحزب الوفد رفض الانضواء تحت التحالف الذى قاده الإخوان بعد ثورة يناير، والآن يبدو أن حزب «المصريين الأحرار» لديه رغبة فى خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة منفرداً بعيداً عن أى تحالفات متكئاً على ما يمتلكه من قدرات مادية وإمكانيات إعلامية علاوة على تعويله على المقاعد الفردية.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).