بقلم : عمار علي حسن
تنبع أهمية دراسة التنشئة السياسية للطرق الصوفية فى مصر من عدة اعتبارات يمكن ذكرها على النحو التالى:
الأول: كثرة عدد المنخرطين فيها، وانتشارهم فى كل ربوع المجتمع، حيث يرى البعض أن عددهم يربو على الستة ملايين فرد، وهم خليط متنوع من حيث خلفياتهم الاجتماعية والثقافية والمهنية والتعليمية.
الثانى: عمق انغراس الصوفية فى تربة الثقافة المصرية، وكونها مثلت مرحلة تربوية مهمة فى حياة بعض رموز التيارات الإسلامية الحركية، فحسن البنا، مؤسس الإخوان، انخرط فى الطريقة الحصافية وعمل سكرتيراً للجمعية الخيرية الحصافية بالمحمودية، كما أن الشيخ محمود خطاب السبكى، مؤسس الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية بدأ صوفياً أيضاً، وكذلك الإمام محمد عبده، الذى كان فى بداية حياته من مريدى الطريقة الخليلية، كما يقول الخليليون.
الثالث: وجود اعتقاد سائد بأن الصوفية تضع حداً فاصلاً بين الدين والسياسة عبر أسسها الأربعة القائمة على «الزهد»، و«المحبة»، و«المعرفة»، و«الولاية»، وهذا يبرر ضرورة بحث صدق وواقعية هذا الافتراض فى الممارسة الحياتية لأتباع الطرق الصوفية من جهة والمعطيات الأولى للفكر الصوفى من جهة ثانية.
الرابع: فى هذه الآونة التى يتزايد فيها الإقبال على دراسة المجتمع المدنى والمراهنة على تقويته فى مواجهة تسلط الدولة تصبح دراسة الطرق الصوفية باعتبارها إحدى مؤسسات هذا المجتمع المدنى، فى عرف البعض، ذات أهمية ملموسة خاصة أن الطرق الصوفية أسبق تاريخياً من الجمعيات الأهلية فى مصر، التى تعود إلى القرن الثانى الهجرى/الثامن الميلادى، بينما تعود الجمعيات التطوعية إلى القرن التاسع عشر، وفى الإطار ذاته تسمح دراسة الطرق الصوفية بتجلية الصورة حول سعى الدولة إلى تأميم مؤسسات المجتمع المدنى نظراً لتدخلها بشكل مباشر فى شئون الطرق الصوفية، وتطويعها لخدمة شرعية النظام.
الخامس: النظر إلى الطرق الصوفية بوصفها «جماعة» تقوم بالتلقين غير المباشر للسياسة، حيث تؤدى وظيفة الجماعات السياسية المرجعية الأخرى، فالطرق الصوفية حتى لو لم تكن جماعات لها مطالب سياسية واضحة، فإن المواطنين الذين هم أعضاء فى تنظيمات غير سياسية غالباً ما يشعرون بقدراتهم الذاتية أكثر من الذين لا ينتمون إلى أى تنظيمات، نظراً لأن الروابط التطوعية تقوم بأداء وظائف سياسية ضمنية وكامنة بغض النظر عن كون هذه الروابط سياسية أو غير سياسية، فمثل هذه التنظيمات لديها كفاءة للقيام بدور سياسى أكبر مما يتأتى للأفراد الواقعين خارج التنظيمات، وهذا ما تؤكده أدبيات التنشئة السياسية.
السادس: تعزز الرغبة فى فحص الثقافة السياسية للإنسان المصرى كعامل مهم صنع ماضيه ويصنع حاضره ويشكل مستقبله، وذلك لأن السعى للنهوض بمستواه الحضارى يجب أن ينبع من الدراسة العميقة لثقافته (قيمه، وأفكاره، وتوجهاته) ونظراً لتجذر الصوفية فى عقليته ونفسيته بشكل كبير، فإن دراستها تصبح مهمة بقدر جدية وصدق الرغبة فى بناء مشروع فكرى لنهضة مصر.
السابع: يتطلب التحديث السياسى الذى بات مطلباً ملحاً للشعوب العربية عامة إعطاء الإصلاح الدينى، وكذلك تعزيز ثقافة الديمقراطية لدى المؤسسات الدينية المسيسة والدعوية على حد سواء، ما تستحقانه من وزن وأهمية، ففى مجتمعات يتدخل الدين فى المفاصل السياسية والاجتماعية كافة يصبح من الضرورى أن يتم إصلاح الرؤى الدينية جنباً إلى جنب مع الإصلاح السياسى.
الثامن: ندرة الدراسات التى تناولت الصوفية من منظور سياسى عامة، ومن منظور علم الاجتماع السياسى خاصة، فهى لا تعدو أن تكون أدبيات متناثرة تتناول الماضى أكثر من تناولها للحاضر وتبدو كإرهاصات دراسية أكثر منها دراسات متعمقة ومتخصصة.
أخيراً لا يعنى الحديث عن تنشئة سياسية لأى جماعة، حتى لو كانت ذات خلفية دينية، الإقرار برفض أو ميوعة مسألة التمييز بين الدين والسلطة السياسية، فموضوع التنشئة يمكن لمسه فى أى تكوين اجتماعى حتى الأسرة والأندية الرياضية، لأنه مرتبط بغرس القيم العامة، التى يكون لها مردود سياسى، ولو بطريقة غير مباشرة.