عمار علي حسن
بعد محاورة طويلة حول معنى الشجاعة أشاح «ؤ» بيده وقال لأصحابه: «لقد فشلنا فى أن نكتشف ماهية الشجاعة». ولم يكن مرد هذا اليأس إلى كسل عقلى أو سؤال من ليسوا من أهل الاختصاص، بل كان منبعه تعقد معنى الشجاعة إلى الدرجة التى تجعل فهمها مرتبطاً بفهم الوجود نفسه.
لكن البشر لم يهملوا فى تاريخهم الطويل البحث عن معنى للشجاعة، حتى لو كان غير جامع ولا مانع. وفى المعنى العام المتواتر استخدامه فى قواميس العرب تعنى الشجاعة الجرأة والإقدام التى تقوم على شدة القلب فى البأس، والصبر والثبات على جلب الأمور النافعة ودفع الأمور الضارة، واستطاعة التغلب على رهبة المواقف. ويرى الفقيه العظيم ابن حزم الأندلسى أنها بذل النفس للذود عن الدين أو الحريم أو عن الجار المضطهد أو المستجير المظلوم، وعمن هضم ظلماً فى المال والعرض، وسائر سبل الحق سواء قلَّ من يعارض أو كثر. أما عالم اللغويات عبدالقاهر الجرجانى فينظر إليها باعتبارها هيئة حاصلة للقوة الغضبية بين التهور والجبن بها يقدم على أمور ينبغى أن يقدم عليها. ويعتبرها «الجاحظ» الإقدام على المكاره والمهالك عند الحاجة إلى ذلك، وثبات الجأش عند المخاوف مع الاستهانة بالموت.
ويعتقد الفيلسوف عبدالغفار مكاوى أن هناك نوعين من الشجاعة؛ سياسية وصوفية، الأولى تقاوم ما يعترضها من صعاب فى سبيل تحقيق العدل، والثانية تسير بالنفس فى ليل العالم وتخترق بها ظلام المادة والحواس. ومع أنهما مختلفتان فإنهما تنهلان من نبع واحد، يتمثل فى التخلى عن الذات أو العالم والاستعداد للتضحية بالنفس فى سبيل قيمة أسمى، وكلتاهما تحارب الشر فى العالم، ويحدوها الأمل فى النصر، حتى لو تطلب الأمر التضحية بالنفس. وهنا نرى أن الشجاعة تتعلق بإدراك الموت، ولذا لا يمكن للحيوان أو الملاك أن يتصف بالشجاعة. فالشجاع هو الذى يواجه الموت فى كل وقت، ويستعد أن يلاقيه فى أى مكان، ولذا فإن الاستشهاد هو غاية الشجاعة، والدم تاجها، سواء كان فى سبيل العقيدة الدينية أو فى سبيل الوطن والمبدأ أو تحقيق رسالة فى الحياة.
واعتبر «أفلاطون» أن الشجاعة هى الجهد الذى يقع بين العقل والحس، ويجعل المرء يسعى سعياً غير إرادى إلى كل ما هو عظيم ونبيل. ووافقه «أرسطو» فى حصر الشجاعة فى طبقة المقاتلين، ليكون الشجاع فى نظره هو من يقدم على الفعل من أجل ما هو نبيل. ويعرّف الأديب الأمريكى الكبير أرنست هيمنجواى الشجاعة بأنها الصبر الجميل على الشدائد. ويتفق الفلاسفة الأوروبيون «نيتشه وسارتر وكامو وكيركجور» على أن الشجاعة لا تعنى غياب اليأس، وإنما القدرة على التقدم فى الحياة رغم اليأس.
وفى سياق فلسفة القوة التى يؤمن بها والتى تقول للإنسان فى صراحة جلية: «عش فى خطر» يرى نيتشه أن الخير يكمن فى الشجاعة، إذ يقول فى كتابه الشهير «هكذا تحدث زرادشت»: «تسألون ما هو الخير؟ الخير هو أن تكون شجاعاً.. والخير ألا تهتم بالحياة الطويلة، ولا بالنجاة من الأخطار، وألا تحب الحياة حباً يجعلك تتعلق بها مهما نفت إرادة القوة والحياة فيك».