عمار علي حسن
وضعت الثورات والانتفاضات التى اندلعت فى كثير من الدول العربية، ولا تزال تنتظر فصولاً أو موجات أخرى بوسائل متفاوتة، العلاقات المدنية العسكرية فى هذه الدول على محك اختبار جديد، يتأسس على تساؤلات لا تزال مطروحة فى الساحة الاجتماعية والسياسية بإفراط، من قبيل: هل تعاد صياغة هذه العلاقة إلى الأفضل فى ظل المعطيات الجديدة التى ترتبت على يقظة الجماهير وعودة الرأى العام ونشاط الحركات الاجتماعية وتصاعد مطالب الشباب بدولة مدنية؟ أم تظل على حالها القديم ليرضى طلاب التغيير من الغنيمة بالإياب؟ أو تتردى إلى مستوى خطير فى ظل احتقان مجموعات من المنحازين بقوة إلى «مدنية الدولة» أو أولئك الذين يرون أن نجاح الثورات لا يتأتى إلا بإنهاء تدخل الجيوش تماماً فى الحياة السياسية؟ وكيف يمكن ملء الفراغ السياسى بطريقة صحية؟ وما شروط نجاح الثورة، وما طبيعة المؤسسات التى يجب أن تعمل على تحقيق هذا النجاح؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة ستظل إلى فترة طويلة تمثل جوهر السجالات الفكرية والممارسات السياسية على مدار السنوات المقبلة، قبل أن تترسخ الديمقراطيات الناشئة وتكسب النخب المتحمسة لمدنية الحكم أرضاً اجتماعية حقيقية تساندها فى الوصول إلى الحكم، لا سيما بعد انكشاف أتباع ما يسمى «التيار الإسلامى» الذى اتخذ من الدين الحنيف أيديولوجية له ودعاية محضة فى سبيل تحصيل السلطة.
لكن هناك عدة اعتبارات، سأوردها فى ركاب التجربة أو الحالة المصرية باعتبارها كاشفة وفيها نقاط التقاء مهمة مع التجارب العربية الأخرى.
ولكى تخرج السياسة فى مصر من معادلة التأرجح بين «المعبد» و«المدفع» لا بد من الإجابة عن سؤال الساعة أمام القوى الثورية والسياسية الوطنية الآن وهو: أين البديل؟ ومن يملأ الفراغ السياسى الذى تركه الإخوان وأتباعهم خلفهم وقبلهم نظام مبارك والمنتفعون منه؟ وما القوى السياسية المدنية المنظمة والقادرة التى بوسعها أن تقنع المصريين بأنها جديرة بحيازة السلطة فى الفترة المقبلة؟.. إنها أسئلة اللحظة التى يجب أن نطرحها بلا كلل ولا ملل، ويجب ألا تبقى من دون إجابات، وهذه مسئولية التيار المدنى بالأساس، الذى لم يعد أمامه سوى «طريق واحد» وهو التوحد حول مبادئ ومطالب الثورة.
وإن لم يتوحد التيار الديمقراطى المرتبط بالثورة والمدافع عن المصالح الوطنية المصرية فى هذه اللحظة الفارقة ليملأ هذا الفراغ، فعلى مستقبل هذا التيار السلام. فرغم أن الطليعة التى أطلقت ثورة 25 يناير تنتمى إلى «التيار المدنى» فإن نصيبه من «الشرعية الدستورية» لم يتناسب مع ما له من «الشرعية الثورية»، وذلك وفق النتائج التى أسفرت عنها الانتخابات التى شهدتها مصر عقب الثورة، وكذلك الاستفتاء على التعديلات التى تم إدخالها على الدستور، وانتخابات الرئاسة التى أوصلت مرسى إلى الحكم، لتعيش مصر معه سنة صعبة بكل المقاييس.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).