بقلم : عمار علي حسن
تتعالى الأصوات التى تنادى بإصلاح الأزهر علمياً ومعرفياً وإدارياً، منطلقة من أساس يؤمن بأن هذه الخطوة ضرورة، وهى المسار الأفضل، أما من يدعون إلى هدم الأزهر، أو يتمنون اختفاءه تماماً، وهم فى يأس من إصلاحه، وغضب من انفتاح بعض رؤاه على نوافذ تقود إلى التطرف، ومن ثم العنف والإرهاب، فإنهم لا يدركون، سهواً أو غفلة أو تسرعاً، أن غياب الأزهر أو إضعافه هو أحد الأهداف الأساسية للجماعات والتنظيمات، التى تستعمل الإسلام أو توظفه بغية تحصيل السلطة السياسية والثروة، حتى تنفرد هى بإنتاج الخطاب الدينى، وتمتلك رؤوس الناس وأفئدتهم، مستغلة طلبهم الذى لا يتوقف على الدين.
وقد مر الأزهر طيلة التاريخ الحديث والمعاصر بمحاولات عدة لإصلاح أوضاعه، سواء كانت إدارية تتعلق بهيكله ووضعه المالى أو التشريعات التى تحكم حركته، أم كانت تتعلق برؤيته الدينية ومناهجه التعليمية، وليس هنا مجال الحديث عن محاولات الإصلاح الإدارى والمالى، فالاهتمام سينصب على ما جرى من محاولات النهوض بالدور التعليمى والدينى للأزهر، لأن هذا هو محل الاهتمام حالياً، ليس فى مصر وحدها، ولا فى العالم الإسلامى فحسب، بل فى العالم أجمع.
وإذا كانت الوظيفة التعليمية للأزهر قد بدأت عقب الانتهاء من بنائه بسنوات قليلة، حين جلس أبوالحسن بن النعمان، قاضى القضاة، ليتحدث فى «فقه آل البيت»، فإن أول محاولة حقيقية لإصلاح التعليم الأزهرى انتظرت أكثر من ثمانية قرون، إذ تمت أيام تولى محمد العروسى المشيخة، خلال الفترة المتراوحة بين 1818 و1829، حيث سعى إلى إدخال علوم الطب والكيمياء والطبيعة لتشكل جزءاً من المناهج التعليمية للأزهر، لكن سعيه خاب، نظراً لعدم اقتناع القائمين على الأمر وقتها بأن الأزهر يمكنه أن ينتج تعليماً وعلماً خارج الدين، ولما جاء من يقتنع بالفكرة، مات العروسى فدفنت معه مؤقتاً.
نعم، انتعش الدور التعليمى للأزهر فى العصرين المملوكى والعثمانى، بعد طول إهمال فى عهد الأيوبيين لحساب مدارس اختصت بتدريس فقه المذهب السنى، لكن هذا الانتعاش كان بمثابة «توسع أفقى» فى هذا الدور، إذ زيد فى عدد المدارس الدينية بعد تجديد بناء الأزهر وتوسيع مساحته، فزاد معها عدد الطلاب الملتحقين به، وعدد المدرسين الذين يعقدون حلقات العلم الدينى فيه. لكن ظل الأمر مقتصراً فى أغلب الأحوال على تدريس العلوم الدينية من فقه وحديث وتوحيد ومنطق وعلم كلام، إلى جانب مبادئ فى علم الفلك والرياضيات والآداب. ولم يكن الطلاب مقيدين بالانتظام فى حضور دروس العلم، ولم تكن هناك لوائح تنظم سير العملية التعليمية، وتحدد مناهج الدراسة ومدتها وأعضاء هيئة التدريس، بل كان الطلاب أنفسهم يتحكمون فى تعيين مدرسيهم، من خلال الإقبال على حلقاتهم من عدمه، فمن يداوم الطلاب على حضور دروسه، وتتسع حلقته العلمية، يجيز شيخ الأزهر صلاحيته للتدريس، والعكس صحيح.