عمار علي حسن
«شاركوا تبقوا على قيد الحياة».. يكاد يقولها بعض الإعلاميين المقربين من السلطة فى مصر حالياً قبل ساعات من انطلاق انتخابات برلمانية تمثل الاستحقاق الثالث فى «خريطة الطريق» التى أُطلقت بعد إسقاط حكم الإخوان، وذلك فى محاولة مستميتة لتعبئة الناس وحشدهم من أجل التصويت، بعد أن أظهرت دراسات واستطلاعات أن نسبة المشاركة لن تكون على ما يرام، وهو أمر جد خطير، سيفسر باعتباره انصرافاً من الناس عن العملية السياسية، وبالتالى سيضع شرعية السلطة الحالية على المحك.
وقد توقع «المركز الوطنى للاستشارات البرلمانية» أن يتدنى المشاركون فى الانتخابات عن عشرة ملايين من بين نحو 55 مليوناً لهم حق التصويت، بل إن عبدالمجيد هندى، رئيس الاتحاد المصرى للعمال والفلاحين (تحت التأسيس)، توقع ألا تزيد نسبة الحضور عن 10%، وقال: «للأسف أغلبية المصريين اتفقوا فيما بينهم على عدم المشاركة فى الانتخابات المقبلة».
وهذه مسألة تؤكدها شواهد وخبرات فردية فى الشارع المصرى، تظهر أن هناك فتوراً نسبياً حيال هذه الانتخابات مقارنة بما كان عليه الأمر فى الاستحقاقات التى أعقبت ثورة يناير، سواء كانت استفتاءات على الدستور أم انتخابات برلمانية أو رئاسية، فقد انفتحت شهية المصريين على التصويت بعد أن تحررت إرادتهم من التزييف والتزوير الذى كان يشوب الانتخابات فى عهد مبارك، لكن هذا الاتجاه الإيجابى مرشح للتراجع، وهو ما بدت بوادره فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حين اضطرت اللجنة العليا للانتخابات إلى مد فترة التصويت يوماً إضافياً، وسط صراخ من الإعلام يطالب الناس بالنزول بغية إنقاذ الوضع، بل وصل الأمر بأحدهم إلى التهديد بأن المرشح وقتها المشير عبدالفتاح السيسى قد ينسحب من الانتخابات إن لم يبلغ عدد المصوتين 35 مليوناً على الأقل.
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هو: لماذا هذه التوقعات بتراجع المشاركة فى الانتخابات الحالية؟ والإجابة ليست صعبة لأنها ظاهرة عياناً بياناً، ويمكن تلخيصها فى النقاط التالية:
1- ضعف مستوى المنافسة: فهذه الانتخابات تخوضها فى الغالب الأعم أحزاب ومستقلون لهم علاقة جيدة بالسلطة الحاكمة وإن تفاوتت قليلاً فى درجاتها، بما فى ذلك «حزب النور» السلفى، الذى يواصل محاولة بناء جسور مع الرئيس والحكومة بغية أن يحوز ما يمكنه من الاستمرار والتمدد. وحتى الأحزاب المتنافسة على المقاعد الفردية، وعلى رأسها «الوفد» و«المصريين الأحرار»، كثير منها منضم إلى القائمة الانتخابية المقربة من السلطة، أو التى تمثلها بالفعل، وهى «فى حب مصر».
2- تراجع التحدى: ففى الانتخابات الماضية كان التحدى على أشده بين التيار المدنى والتيار الدينى، أو الذى يوظف الإسلام فى تحصيل السلطة والثروة، وأدى هذا إلى ارتفاع نسبة المشاركة، وهى مسألة تفتقدها الانتخابات الراهنة، فجماعة الإخوان وبعض الأحزاب السلفية أعلنت المقاطعة، وعزت ذلك إلى عدم رغبتها فى إضفاء شرعية على المسار السياسى الراهن، لكنها فى الحقيقة تدرك أن فرصها شبه معدومة بعد انكشافها ونبذ الناس لها. والمتبارون حالياً أخفقوا فى صناعة هذا التحدى، فرغم أن بعض المذيعين والحزبيين والمسئولين يتحدثون عن مرشحين مستترين للإخوان، فإن هذا لم يصدقه الرأى العام على نطاق واسع. وهناك من ينظر إلى هذه الانتخابات على أنها محسومة النتائج، لا سيما فيما يخص القوائم، ومن ثم يعتقد أو يتوهم أن مشاركته لن تغير فى الأمر شيئاً.
3- حالة الإحباط حيال التغيير: فالمصريون شاركوا بقوة فى الانتخابات، مقارنة بما كان عليه الحال قبل ثورة يناير، أملاً فى تبدل الأوضاع إلى الأفضل، سواء على الصعيد الاقتصادى أو السياسى أو الأمنى، لكن قطاعاً منهم عاد إلى التحدث عن ثبات الأحوال بل تراجعها أو تدهورها، لا سيما فى ملف الفساد وتصرفات جهاز الشرطة وصناعة القرار السياسى.
4- عدم القدرة على إقناع قطاع عريض من الشباب: فالشباب باتوا يشكلون أكثر من نصف من لهم حق التصويت، وعددهم يتزايد بمرور الوقت، وبعضهم لا يريد الاندماج فى العملية السياسية بشكلها المشروع والرسمى، وبعضهم الآخر يعتقد أن ممارسة السياسة لا تكون إلا بالاحتجاج المباشر فى الشارع. وقد تلقوا طيلة الشهور الفائتة إشارات سلبية من السلطة التنفيذية لا تشجعهم على المشاركة.
ومع هذا يبقى ما يقال دوماً عن الشعب المصرى عند كل العتبات السياسية المهمة وهو قدرته على صنع المفاجآت، بما يجعل سلوكه عصياً على التنبؤ، ويخذل كافة النماذج الإرشادية والقياسات التقليدية والاستطلاعات النمطية، وربما هناك من يراهن على هذا ولا يفقد الأمل فى نسبة مشاركة مرتفعة.