عمار علي حسن
وتحدث باحثون وخبراء غربيون عن أن هناك دوافع أساسية تجعل القطاع الأكبر من الحركة الإسلامية السياسية، لا سيما تلك التى تأخذ بعداً دولياً، تطرح نفسها «بديلاً استراتيجياً» لما هو سائد، سواء على مستوى كل قطر عربى وإسلامى على حدة، أو كقوة عالمية بديلة. فالإسلام «دين عالمى» ونصه الأول المؤسس وهو «القرآن» يجذر تصورات ذات طابع أممى، تتجاوز حدود اللون والجنس واللغة والجغرافيا والزمن، وتجعل معيار التفرقة الوحيد بين البشر هو «التقوى»، وتحض دائماً على «الدعوة» التى تعنى التبشير بالدين الإسلامى، و«الجهاد» الذى يعنى مقاومة أى عدوان على المسلمين، أياً كان موقعهم ومكانتهم، وحماية ثغور الدول الإسلامية.
وهذه الطبيعة المتأصلة وجدت فى الظروف العالمية الراهنة ما وجه «تنظيم القاعدة» إلى منازلة «العدو البعيد» وهو الولايات المتحدة، لكنها لا تنتج فى حد ذاتها، كما يتصور بعض الباحثين وصناع القرار فى الغرب، عنفاً، عشوائياً أو منظماً. فالطبيعة ذاتها متجذرة فى عقول بقية المسلمين ونفوسهم، إلا أنهم جميعاً لا يسيرون فى الطريق ذاته الذى سار فيه «تنظيم القاعدة» والتنظيمات والجماعات المتطرفة التى ترفع من الإسلام شعاراً سياسياً لها. ومن ثم فإن طروحات من قبيل «صدام الحضارات»، التى تعنى فى غايتها وضع العالم الإسلامى برمته، دون أى سند من حق أو مسوغ من عدل، فى موقع «العدو»، لن تقدم حلاً ناجعاً لمشكلة الإرهاب، ولن تحقق الأمن للغرب عموماً وللولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، أو تسمح للأخيرة بأن تقنع العالم بأنها «قائد العولمة»، فى مختلف أوجهها.
ويكمن الحل الناجع فى حزمة من الإجراءات المتكاملة، أولها العمل بجدية فى سبيل حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً. وثانيها امتناع واشنطن عن توظيف الجماعات المتطرفة والإرهابية فى تحقيق مصالح أمريكا ضد منافسيها العالميين أو نظم إقليمية تريد الضغط عليها أو لتبرير تمددها فى العالم عبر «صناعة العدو» الدائم. وثالها امتناع واشنطن أيضاً عن مساندة نظم حكم غير ديمقراطية فى العالم العربى، بما يسمح بتغيير سياسى وتحديث اجتماعى ذاتى، ينهى حالة الاحتقان من هذه الأنظمة، التى انعكست فى جانب من كراهية الولايات المتحدة، إذ تنظر أدبيات الرعيل الأول من الجماعات الإسلامية المتطرفة إليها بوصفها داعماً لحكومات تقهرهم، وهو التصور الذى لا يزال سائداً. أما ثالث هذه الإجراءات فيتمثل فى «تعميق فهم الدين الإسلامى» وليس إقصاءه أو تنحيته أو محاربته، فهذا أمر غير ممكن وسيجابه بمقاومة شرسة. وهذا التعميق يجب أن يناط بالفقهاء المعتدلين من المسلمين، الذين يلاقون قبولاً لدى الناس، ويعون مستجدات العصر، ولا يفرض من الخارج، فى شكل مطالب تنطوى على إجبار مبطن بتعديل مناهج التعليم الدينى. فاليد الخارجية ستجعل أى محالة إصلاحية ينظر إليها جماهيرياً بشكل كبير، وهو ما يصب فى مصلحة الجماعات الدينية المتشددة. والرابع هو تعزيز البديل المدنى، ومن دون هذا، ستفرغ الساحة من جديد أمام الجماعات المتطرفة، بما يمكنها من العودة ومواصلة رحلة الزحف نحو حيازة السلطة السياسية كاملة.