ذكرى نجيب محفوظ وذاكرته 1  2

ذكرى نجيب محفوظ وذاكرته (1 - 2)

ذكرى نجيب محفوظ وذاكرته (1 - 2)

 لبنان اليوم -

ذكرى نجيب محفوظ وذاكرته 1  2

عمار علي حسن

 فى الذكرى التاسعة لرحيل أديبنا العربى الكبير نجيب محفوظ أطلت ذاكرته من بين ركام السنين التى خلت كواحدة من علاماته المميزة، وقدراته الفريدة، وكشاهد عيان على قرن تقريباً من تاريخ وطن. فـ«محفوظ» كان يتمتع بذاكرة لاقطة، واسعة الأرجاء، طوت فى رحابها تفاصيل لا حصر لها، سمعها صاحبها ورآها طوال عمره المديد، ثم جلس ليسجلها على الورق نثراً رائعاً، توزع بين قصص وروايات.

لكن «محفوظ» بقى فى الحالتين، وكأنه وثيقة اجتماعية وسياسية، التزم صاحبها فى كثير من المواضع أمانة فى طرحها، وكساها بلغة رائقة وبناء درامى محكم، ليصير أدبه تاريخاً غير رسمى أو شعبى، لمصر فى القرن العشرين.

فى البداية، أراد «محفوظ»، الذى عاش خمسة وتسعين عاماً، أن يعيد كتابة تاريخ مصر برمته فى شكل أدبى، وأثمرت هذه الفكرة عن روايات ثلاث هى «عبث الأقدار» 1939 و«رادوبيس» 1943 و«كفاح طيبة» 1944، لكنه لم يلبث أن تخلى عن هذه الفكرة، منحازاً إلى الكتابة عما عايشه، سمعه ورآه وتفاعل معه بذهنه ووجدانه. وبدأ «محفوظ» هذا التحول، الذى يعد علامة فارقة فى مشروعه الأدبى، برواية «القاهرة الجديدة» أو «القاهرة 30».

وبعد هذا العمل المهم، راحت رواياته وقصصه تتتابع، خارجة من حشايا المجتمع المصرى، راصدة طريقة حياته وتحولاته، وأشواق الناس الدائمة إلى العدل والحرية. وقد رأت عينا «محفوظ» الدنيا فى لحظة فاصلة من تاريخ مصر الحديث، كان فيها الاحتجاج ضد الاحتلال الإنجليزى ينمو فى حنايا الجماعة الوطنية، والثورة تترتب على عجل، بعد أن أخفق جيش «عرابى» فى صد الغزاة، ورحل الزعيم الوطنى الكبير مصطفى كامل عن الدنيا قبل أن يصبو إلى غايته فى تحرير البلاد، ونفى خليفته محمد فريد إلى باريس ليموت على سطح أحد منازلها قبيل أن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها.

وكان «محفوظ» فى الثامنة من عمره حين هب المصريون فى ثورة شعبية عارمة سنة 1919، زلزلت الأرض من تحت أقدام المحتلين، ودفعت بسعد زغلول ورفاقه إلى قيادة الحركة الوطنية، وتشكيل الحكومة رغم أنف الإنجليز والملك. ورأى أديبنا الكبير، بعينى طفل واعٍ ذى ذاكرة حديدية، المظاهرات والمصادمات الدامية، التى شارك فيها الناس بمختلف أعمارهم وانتماءاتهم السياسية، رجالاً ونساء، مسلمين ومسيحيين، ريفيين وحضريين.

وحفظ «محفوظ» كل هذه المشاهد ووعاها جيداً، ثم نسج تفاصيلها الدقيقة كاملة فى ثلاثيته الرائعة «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية» التى بدأ كتابتها قبل ثورة يوليو 1952، لكنه لم ينشرها تباعاً إلا فى عامى 1956 و1957، ثم ظهرت تجليات ثورة 19 فى كثير من أعمال «محفوظ» اللاحقة، سواء فى شكل خواطر مكثفة تدور حول هذا الحدث الكبير، تحملها مشاهد قصصية، تصور رؤية الناس للحدث وتأثيره فيهم، مثلما ظهر فى «حكايات حارتنا» أو فى صيغة جزء من السياق العام للرواية الذى يسافر فى زمن طويل، يبدأ من ثورة 19 وينتهى عند فترة حكم الرئيس أنور السادات، مثلما جاء فى روايتى «قشتمر» و«الباقى من الزمن ساعة». وعبر كل هذا الزمن الطويل عرض «محفوظ» آلاف البشر ما بين أبطال لأعماله وشخصيات ثانوية من مختلف الانتماءات والولاءات والخلفيات الطبقية والمكانية ودرجة التعليم والتصور عن المجتمع والعالم والكون. وجميع هذه الأصناف من البشر كانت حصيلة مشاهدات أديبنا الكبير وأفكاره، التى حوتها ذاكرته الحادة، التى أسعفته أن يستعيد الوقائع التى سمع عنها ورآها فى الطفولة وميعة الصبا، بعد مرور عقود من الزمن، ويعيد إنتاجها فى سرد بديع، يزاوج بين ثراء المضمون الاجتماعى وعمق الموقف والرؤية وبين جمال اللغة ومتانتها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكرى نجيب محفوظ وذاكرته 1  2 ذكرى نجيب محفوظ وذاكرته 1  2



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:48 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:23 2022 الثلاثاء ,17 أيار / مايو

توبة يتصدر ترند تويتر بعد عرض الحلقة 26

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 12:55 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

وضعية للهاتف قد تدل على خيانة شريك الحياة

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon