عمار علي حسن
ويتصرف المؤلف أسامة حبشى فى كتابة رواية «1968»، وهو بطلها فى الوقت نفسه، على أنه قد صار من المثقفين، وراح يدلل على ذلك بذكر أسماء لأدباء وفلاسفة وعلماء كثر فى مضمون روايته منهم: المتنبى وابن خلدون وعمر بن الفارض ومحمود درويش وإدوارد سعيد ووليم شكسبير وأنطونيو جرامشى ودوستويفسكى وباندا وغيرهم، ثم يقتبس من هؤلاء مقولات وأبياتاً شعرية ينثرها فى ثنايا الرواية، لكنه لا يتباهى بكونه مثقفاً، بل يُعتصر ألماً، لأنه قد صار ضمن هؤلاء، فها هو يقول فى متن روايته: «أدخلتنى الكتابة عالم القتل الخفى، عالم القتل السرى، أدخلتنى دائرة المثقفين، وما أدراك ما المثقفين! كل شىء تحول إلى سيرك من الخداع».
ووسط انشغال بطل الرواية/ كاتبها بهمومه كمثقف أو أديب، يقتحمه السياق الاجتماعى القاتم الذى يحيط به، حيث البشر الذين أرهقهم العوز وموت الأمل فى حياة تليق بآدميين، لا سيما «نرجس»، أخت سارد الرواية، التى تموت فى النهاية فينتحر هو خلفها: «خرجت الكلمات منى بغزارة وأنا أخبط رأسى بالأرض حزناً على موت نرجس.. وكنت لا أعلم هل أنا حزين على موتها أم حزين لأنها تركتنى وحيداً، وهى تعلم أننى سأموت معها حال قررت الموت؟ كنت أنانياً فى تفكيرى حتى لحظة انتحارى». وهناك أيضاً شخصية «شهد» التى تبيع جسدها لتأكل والتى يقول عنها الراوى: «كانت شهد هى ناستاسيا دوستويفسكى».
وربما تكون الجملة التى أوردها المؤلف وتقول: «الحياة والخيال وجهان لعملة واحدة هى الإنسان. والإنسان ما هو الإنسان؟ هو محطات من التفاصيل»، هى تجسيد لما فعلته هذه الرواية بالضبط، رغم ضيق مساحتها، حيث تتنادى الشخصيات، وتتداخل المصائر، وتتسابق الأصوات لتعبر عن نفسها، وتتزاحم الأحداث وتتكدس وتتكثف متنقلة ذهاباً وإياباً فى الزمان والمكان، لتقف فى النهاية على الحافة، ناظرة إلى مدى مفتوح على جراح شخصياتها المتعبة وأتراحها.
هذا المدى يترك فى نفس من يقرأ هذه الرواية حيرة ودهشة، ويسأل نفسه: هل انتهى النص؟ هل انتحر الكاتب قبل أن يُكمل روايته؟ وهل ترك لنا نحن إمكانية إكمالها إن كانت ناقصة؟ أم أنها قد اكتملت بموت بطليها؟ لكن بغض النظر عن أى إجابات على هذه الأسئلة فإن المؤلف تمكن من توظيف تقنية نادرة، سبق أن استخدم ما يشبهها السورى خليل صويلح فى «وراق الحب»، ليجعلنا نعيش معه معاناة الكتابة، لكننا لا نعانى من معاناة القراءة، مع نص ثرى مدهش، يقف فى منتصف المسافة بين الشعر والحكاية، ويقبض على حكاية غريبة، هى واحدة من الحكايات التى ألف الكاتب البحث عنها، ويبدو مخلصاً لها، رغم توالى أعماله.