عمار علي حسن
جاءنى على المقهى شاب أسمر نحيل يكاد أن يذوب فى هواء مراوح السقف العفية، وأرسل لى من عينيه المدفونتين فى رأسه كحبتى ألق أو نجمتين تستعدان للذوبان فى صفحة السماء البعيدة، وطلب فى أدب جم أن أعطيه دقائق من وقتى، فأومأت برأسى له مرحباً، سحب مقعداً وجلس، وسألنى أسئلة عن أحوالنا السياسية، ومنها قضية النوبة، مسقط رأسه، ثم فجأة باغتنى: «أنا أكتب الشعر»، فطلبت منه أن ينشد شيئاً منه، فأخرج من حقيبة صغيرة معلقة فى كتفه كراسة، فتحها وراح يقرأ.
سألته إن كانت لديه قصائد تصلح لطباعة ديوان، وعاهدته أن أساعده فى نشره إن راق لى. فقال لى: كتبت عدة قصائد، لكن أحتاج وقتاً حتى أجمعها فى ديوان كامل. ومد الكراسة إلىَّ. قرأت بعض القصائد، ثم قلت له: يمكننى أن أساعدك فى نشر هذه القصيدة، فسألنى: أين؟ صمت برهة، استعرضت فيها صفحات الأدب والثقافة فى الصحف، ثم أضربت عنها صفحاً؛ لأننى قد أرسل قصيدته ولا تُنشر، لأن ما يأتيها كثير، وكل يوم، وقد تُنشر لكن بعد مدة طويلة. ولأنه أسرنى بنظرة الامتنان، قررت بكل بساطة أن أنشرها فى عمودى هنا، وها أنا أفى له بوعدى، وها هى قصيدة الأستاذ أحمد عوض:
«ألقيت قناعى/ الوجه مشوه/ لا تيأس.. لا تحزن.. لا تجزع / نبرتك الغاضبة بلا معنى/هَدئ من روعك/ ستـعاتب؟! لا جـــــــدوى/ قد كنت ترانى أحيك قناعاً / كى أتجمل / وتغض الطرف/ من خيطان أكاذيبِ/ أصباغ نفاقِ/ والمغرز / من وهم وضلال يتألق/ وتغض الطرف / وتحب الزيف/ وتحب ذراع مفتوح/ يحويك/ والكف يربت كتفك حين الخوف/ وجهى؟؟؟/ هو ذات الوجه الممسوخ/ لكنى سأضيف مسوخاً أخرى/ لا تفزع/ سأفقأ تلك العينين / كى أبصر عبر الروح/ من يفقد عينين آثمتين/ يبصر عبر الروح/ سأصم الأذنين/ وأذهب أحلاماً خائبة أدراج الريح.. سأمزق ألسنتى والشفتين/ كى أتعلم لغة العالم/ لغة القمر البدر/ وحين يكون هلالاً ومحاقاً/ لغة الشمس، حين السخط وحين رضاها/ والريح إذا تغضب/ كيف وماذا تقول/ وحين تصير نسائم عفوية/ تحنى جبهتها وتوزع من عبق الأزهار هدية/ سأنزع ذاك الموروث.. عن القلب/ كى أتعلم لغة الرب/ لا تغضب/ من قبحى وما أخفيت».