عمار علي حسن
تسعى أعمال الأديب التونسى الكبير الراحل محمود المسعدى إلى تعزيز الإرادة البشرية وتفجير الطاقات الكامنة فى الإنسان، من منطلق أن الإرادة هى التى تحرك أبطال أدب المسعدى، وتدفعهم إلى تحدى الظروف السائدة، وابتكار وسائل للتغلب عليها. وتكشف هذه الأعمال عن تأثير عميق للقرآن الكريم الذى حفظه المسعدى منذ طفولته المبكرة، فى تكوينه الفكرى والوجدانى والأسلوبى، وتبين كيف نهل من الأدب العربى القديم، حين درسه بعمق فى المرحلة الثانوية، والآداب الأوروبية الحديثة، حين سافر إلى باريس للحصول على الدكتوراه من جامعة السوربون. علاوة على ذلك فإن أدب المسعدى يضرب مثالاً بليغاً على أن لغتنا الفصحى هى مرآة شخصية الفرد الذى يكتب بها، وانعكاس لذهنية المجتمع والعصر فى سماته الفكرية والخلقية.
وأعمال المسعدى غير تقليدية، تعبر الأنواع فى سلاسة، لتمزج الشعر بالنثر، وتعدو بين المسرح والرواية، متجاوزة أى فواصل بينهما، وتقتبس من التراث العربى الشكل القصصى القديم كالحديث والمقامة والسيرة، وتنهل من الآداب الأوروبية الحديثة، فى ثوبها الجديد، الذى فارقت به أعمال الرعيل الأول من الروائيين والمسرحيين المؤسسين الكبار، ثم تمزج الخيال الخصب بالتفكير العقلى، وتضفر الحدس الإبداعى بالبرهان الفلسفى فى أعلى صوره.
ولم يكتف المسعدى، الذى رأى النور بقرية تازركة من أعمال نابل فى يناير من عام 1911، بالكتابة، بل زاول أدواراً حركية مؤثرة من خلال السياسة والتربية على حد سواء. ففى السياسة تقلد فى سنوات الاستقلال الأولى عدة مناصب مهمة، إذ عهد إليه من 1958 إلى 1968 بوزارة التربية القومية وانتخب عضواً بمجلس النواب فى أواخر الستينات ورئيساً لمجلس النواب عام 1981. وفى التربية تولى مسئولية شئون التعليم فى حركة الاستقلال الوطنى، التى انتظم فى صفوفها مناضلاً ضد الاستعمار الفرنسى، كما لعب دوراً قيادياً فى العمل النقابى للعاملين فى المهن التعليمية. وخلال توليه وزارة التربية القومية وضع اللبنة الأولى فى أساس الجامعة التونسية. وقبلها، كان قد تمكن من إقرار حق كل طفل تونسى فى التعليم، وكان له جهد ملموس فى أنشطة منظمتى «اليونيسكو» و«الأليكسو» و«مجمع اللغة العربية»، كما أشرف على مجلة «المباحث» عام 1944، ثم على مجلة «الحياة الثقافية» عام 1975، وقام بتدريس الأدب العربى فى جامعات تونس وفرنسا.
وخلال هذه المسيرة تميز المسعدى، حسب ما جاء فى نعى وزارة الثقافة التونسية له، بوطنيته العالية وتجذره العميق وحرصه الشديد على الارتقاء بالفكر التونسى إلى أعلى درجات النبوغ والمساهمة من خلاله فى إثراء الثقافة العربية والإنسانية.
حقا لقد كان المسعدى ثمرة لتلاقح الثقافتين المصرية والتونسية، ولا نستغرب فى هذا التلازم أو التغذية المرتدة أو التأثير المتبادل بين الثورتين التونسية والمصرية، والتى أعتقد أنها لم تتوقف عند النقطة التى نعيشها الآن، بل ستستمر فى المستقبل المنظور.