قصة متحرش 23

قصة متحرش (2-3)

قصة متحرش (2-3)

 لبنان اليوم -

قصة متحرش 23

عمار علي حسن

كانت الفرحة تسبق المتحرش زين الأبجى إلى ميدان التحرير، لأول مرة فى حياته سيجد يده ممدودة إلى الأجساد الطرية بلا خوف. سيفعل ما يريد. شعر بأن جسمه يغلى بالشبق. جيوش من النمل تزحف فى شرايينه، وتنتهى إلى ما بين فخذيه فيتصلب. يتلهَّى عنه قليلاً ليهدأ، لكنه كلب مسعور لا يكف عن النباح. نظر إلى من حوله، صوَّب عينيه إلى ابتداء أنصافهم السفلية، ليعرف ما إذا كانوا مثله يروضون الاشتهاء أم لا؟ بعضهم كانوا مثله يقاومون اللهفة والانتظار، وبعضهم كان مرتخى الأعصاب وكأنهم ذاهبون إلى صالون حلاقة. سأل من كان بجانبه فى الحافلة التى أقلتهم إلى ميدان التحرير:
- هل أنت متزوج؟
- نعم.
ابتسم، وهز رأسه متعجباً، فسأله الرجل:
- لم تتعجب؟
- أحسب أنك لا تتلهف على ما يريده عازب مثلى.
- أكل عيش، وفرصة لأتعرف على أجساد أخرى، بعد أن مللت جسد أم العيال.
- فعلاً، لا يوجد على هذه الأرض من يعجبه حاله، ولا يملأ عين بنى آدم إلا التراب.
دخلوا ميدان التحرير من عند المتحف المصرى، بعد أن ألقت بهم الحافلة بالقرب منه. صوَّبوا عيونهم بنهم إلى صدور البنات، لكن الليل لم يكن قد أتى بعد حتى ينقضُّوا عليهن، كما أن المكان لم يكن مزدحماً، وشباب كثر يسيرون مع البنات، وراءهن وبجوارهن وأمامهن، وعيونهم تسكنها الجرأة التى غرفوها من الميدان، وسكبوها فى أوردتهم وأبصارهم.
تقدموا صامتين، وما إن اقتربوا من الحشود، حتى تفرقوا فى كل اتجاه، كما قيل لهم. كمِنَ كل منهم مكانه ينتظر الغروب، ويتوق إلى اللحظة التى يتقافز فيها كل منهم فى الميدان كأن عقارب تلسعهم، أو أكواماً من الجمر الصافى قد ألقيت عليهم من جوف السماء.
جلس زين على الكعكة الحجرية، رمى بصره يميناً، فوجد نصبة سعد الزايط، قام إليها، وطلب كوباً من الشاى، وجلس يحتسيه فى بطء شديد، لعل الوقت المتبقى حتى قدوم الليل يمر سريعاً. ومدَّ عينيه صوب مبنى وزارة الخارجية يتابع انحسار الشمس، التى تحط هنا على شعور البنات. سافرات ومحجبات ومنتقبات، كلهن سيكنَّ بعد قليل فى مرمى نيرانه. هكذا قال لهم شديد الوقيع:
- كله، المينى جيب، والنقاب، على حد سواء.
كثيرون راحوا يتيهون فى كل وسائل الإعلام بروعة الأخلاق فى الميدان، التآخى والتعاون والتكاتف والإيثار والاحترام والأدب الجم، كأنه صار «المدينة الفاضلة»، بقعة منفصلة حررها الثوار من قبضة العمى والبطش والقبح.
كان المبطشون يستمعون إلى كل هذا ويبتسمون فى خبث، وأقسموا أن ينزعوا عن هذا الميدان رداءه، ليقف عارياً فى وجه الريح، وقال أحدهم وهو يلقى أوامره لشديد الوقيع:
- عاوزه يتحول إلى مكان للفسق والفجور.
جاء الليل، وليل الشتاء أسود كالح، ثقيل كالجبل، طويل كالأيام الصعبة. وفجأة صرخت فتاة فى وسط الحشد: يا سافل يا حيوان. وصرخت أخرى فى الطرف الأيمن، وثالثة فى الطرف الأيسر، وتوالت الشتائم، ووقع هرج ومرج، والجناة غائبون. بنات أمسكن بأول شاب يلحق بهن، وأوسعه الحاضرون ضرباً وركلاً وسباً، فسالت دماء، وأهين أبرياء، والفتيات والسيدات جرين خارج الحشود، وتجمَّعن على الأطراف، وشعرن لأول مرة بالغربة فى هذا المكان، الذى تلاصقت فيه الأجساد ثمانية عشر يوماً وليلة دون أن تشكو واحدة من تحرش أو معاكسة أو خدش حياء. هناك بنات احتمين بالشباب، فجلسن فى وسط الكعكة الحجرية، وتحلق حولهن شباب الثورة، فلم يتمكن المتحرشون من أن ينفذوا إليهن.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة متحرش 23 قصة متحرش 23



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon