عمار علي حسن
لا تخلو البرامج الانتخابية من خدع وحيل، إذ إن مصمميها لا يضعون هدفاً أمامهم سوى اصطياد الناخب، وهذا الهدف لا تنازل عنه حتى لو انطوت البرامج على بعض صدق، فهذا الصدق قد يكون جزءاً لا يتجزأ من خطة الخداع.
ليس معنى أن المرشحين أشرار بطبعهم، لكن كلاً منهم يضع فى حسبانه أنه لا سبيل أمامه سوى التعامل مع الناخب بوصفه مستهلكاً يبحث عن سلعة معينة، ومن ثم فإن لفت انتباهه ومداعبة خياله وإيقاظ غرائزه ومخاطبة عقله ودغدغة مشاعره، هو ما يجب أن تقوم عليه عملية الدعاية التى تجعله يتخير تلك السلعة، أو يلتقطها من بين سلع أخرى منافسة ومزاحمة.
وغالباً ما يستعين المرشحون بأشخاص مهرة فى إعداد برامجهم الانتخابية، وهؤلاء لا يتوقفون طويلاً أمام أى أكاذيب يكتبونها على الورق، فكل منهم يدرك أنه إن لم يجمِّل ما يطرحه فإن منافسه سيفعل ذلك. ولهذا يقول كثيرون إن الانتخابات لا تأتى بالأفضل فى أغلب الأحوال.
ويختلف مضمون البرامج الانتخابية بالطبع من انتخابات إلى أخرى، فالذى يعده مرشح للمجلس الشعبى المحلى يختلف عن ذلك الذى يضعه المرشح للبرلمان، وكلاهما يختلف إلى حد بعيد عن ذلك الذى يعرضه مرشح لرئاسة الجمهورية. فلكل مقام مقال. لكن السمات العامة والخطوط العريضة لهذه البرامج، أو بمعنى أدق الأساليب والقيم التى تنطوى عليها، متشابهة إن لم تكن متطابقة.
وقراءة أى من هذه البرامج، توطئة للاختيار الشخص الذى يمثل الشعب أو يتولى المسئولية، تتطلب شروطاً معينة فى مطلعها أن يكون الناخب على درجة من الوعى السياسى تؤهله لأن يميز الحقيقى من المزيف، والقابل للتطبيق والتحقق وذلك الذى ليس بوسع المرشح أن يفعله أو يرتقيه. ومن الأفضل أن يكون الناخب على معرفة بالمرشحين، وإن لم يكن كذلك فى بداية الحملة الانتخابية فعليه أن يعتنى بجمع معلومات خاصة عن المرشح، لا سيما فى الانتخابات المحلية والتشريعية، وأن يستقيها من مصادر موثوق بها، ويدققها بعناية، عبر طرق عديدة من صنعه، تحصنه حيال الشائعات المغرضة، لا سيما تلك التى يطلقها المرشحون ضد بعضهم البعض، حين تشتد المنافسة بينهم، أو تتحول إلى صراع ضروس لحيازة مقعد الدائرة الانتخابية. وهنا يكون على الناخب أن يعى جيداً ما يأتيه من أخبار عن المرشحين، وأن يمتثل لما قاله الله سبحانه وتعالى فى محكم آياته: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».
وبناءً على ما تقدم، يصبح السؤال فى هذا المقام هو: كيف يمكن قراءة برنامج انتخابى لأى من المرشحين؟ ابتداءً فإن هذه المسألة غاية فى الأهمية، لأنها تعمل تدريجياً على دفع الناس للتصويت على أساس سياسى، وليس على أسس عشائرية أو مذهبية أو عبر الاستلاب أمام سطوة المال السياسى. كما أن هذه العملية مقدمة لمساعدة الناس على بناء ثقافة سياسية تعزز الخيار الحزبى، لأن تعود الناخب على قراءة البرامج الانتخابية، وامتلاكه مهارة التمييز بين الجيد والردىء منها، يعلمه تباعاً أن الأحزاب السياسية هى المؤسسات الحقيقية والطبيعية لممارسة السياسة.
وغداً، إن شاء الله تعالى، سأشرح الخطوات العشر التى يجب أن نمر بها حتى نحكم على البرنامج الانتخابى لأى مرشح.