عمار علي حسن
هاتفتنى سيدة مصرية من هؤلاء النسوة اللاتى يكافحن بشرف من أجل البقاء على قيد الحياة، وقصت على مسامعى حكايتها المفعمة بالكد والألم، ثم فوجئت بها تطلب منى أن أساعدها فى مناشدة الفريق أول صدقى صبحى، وزير الدفاع، قبول نجلها بالمعهد الفنى للقوات المسلحة، الذى اجتاز كل اختبارات التقديم له بنجاح ولمرتين فى سنتين متعاقبتين، لكنه كان يرسب فى «كشف الهيئة». ولأنى لا أملك وسيلة لطلبها سوى الكتابة عنه فى عمودى هذا، فأسرد حكايتها ومطلبها، أملاً فى أن يصل الأمر إلى من قصدته، وعلقت عليه آمالها.
قالت لى السيدة وهى تجهش بالبكاء: «اسمى وفاء عبدالفتاح عبدالحليم، كنت متزوجة وصبرت على زوج كان يسىء معاملتى إلى أقصى حد، وقضيت ستة عشر عاماً فى عناء شديد، واضطررت إلى البقاء معه، حتى أربى ابنى وابنتى، كما أننى لم أكن أعلم إلى أين أذهب لو تركته، وعائلتى تستثقل أن أعيش معهم بصحبة أولادى. وتمكنت بعد جهد جهيد من الحصول على شقة بسيطة، عبارة عن غرفة واحدة، فتشجّعت وأبديت عزماً لا يلين على الطلاق، حتى حصلت عليه، فانتقلت إلى العيش فى حجرتى، أو بمعنى أدق جحرى الضيق، والأمل يحدونى بأن تبتسم لى الدنيا ولو قليلاً.
حين طلقت كانت ابنتى قد بلغت الثامنة عشرة من عمرها، وصارت طالبة فى السنة الأولى بمعهد خاص، ولأن مصروفات المعهد كانت فوق طاقتى، فقد اضطرت ابنتى إلى العمل لمساعدتى. وذات يوم، وبينما كانت خارجة من مقر عملها صدمتها سيارة فأردتها قتيلة، وتركت لى الحسرة والذكريات الأليمة.
وأردت أن أعوض إخفاقى المتواصل فى تربية ابنى وتعليمه، متمنية أن يسلك السبيل الذى يؤهله للحصول على فرصة عمل فى أقرب وقت، ليساعدنى ويساعد نفسه على مواصلة الحياة. وكانت الفرصة فى تقديم أوراقه إلى المعهد الفنى للقوات المسلحة، فاجتاز بالفعل الاختبارات كافة، لكن كشف الهيئة خذله، فألقى على كاهلى مزيداً من الحزن. ووجدته يسعى إلى تهدئتى وينبئنى أن بوسعه أن يتقدم للاختبارات مرة أخرى، ونفّذ وعده، ودخل للمرة الثانية، لكنه رفض للسبب نفسه، فعادت الحسرة تعتصرنى بلا هوادة.
ربما كان هذا الرفض لفقرنا، لكن عزائى أننا أناس شرفاء، نريد أن نمضى خارج فقرنا بالكد والكفاح فى عمل شريف، وأملى أن يصل صوتنا إلى وزير الدفاع، فيتدخّل لانتشال ابنى من الإحباط، وأنا من الحزن الدفين».
هذه ببساطة رسالة تلك السيدة ومطلبها، وأتمنى أن يصل صوتها إلى الفريق أول صدقى صبحى، ومثله لا يجهل أن الضباط الأحرار الذين فتحوا الطريق أمام قادة القوات المسلحة ليحكموا مصر كانت أحوالهم المعيشية رقيقة، وظروفهم صعبة، ولم يحل هذا دون أن يلتحقوا بالكليات العسكرية، ويصبحوا ملء الأسماع والأبصار. ولهذا فإن لم يكن هناك سبب آخر للرفض، تعلمه اللجنة الرافضة جيداً، فأرجو أن يجد مطلب هذه السيدة طريقه للاستجابة، وعلى الله قصد السبيل.