عمار علي حسن
دعانى د. فهر محمود شاكر لإلقاء محاضرة عن «الحرية» فى كلية الآداب، جامعة القاهرة، ضمن أعمال مؤتمر مهم عن «الحريات وحقوق الإنسان» تناول تجلياتها وتفاعلاتها فى الأدب والفلسفة والتاريخ والقانون والاجتماع والسياسة. وأسعدنى أن ألتقى أساتذة كباراً يتقدمهم بحكم موقعه عميد الكلية د. معتز سيد عبدالله، وأن أكون فى رحاب صرح علمى عريق طالما تعلمت على الورق من عمالقة مروا به على مدار تاريخه فى الأدب والفكر والعلم بمختلف فروعه.
قدمنى للمحاضرة د. حمدى إبراهيم، العميد الأسبق للكلية، وكان الجمهور من أساتذة ونقاد وباحثين ينتمون إلى عدة دول هى مصر والجزائر وماليزيا وتايلاند وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية ورومانيا.
تحدثت وأجبت عن الأسئلة فى ساعة ونصف كانت محددة للمحاضرة التى قد يضيق المقام هنا لذكر كل ما ورد فيها من تفاصيل، لكن يمكن طرح ما دار من أفكار عامة وخطوط عريضة، من دون إسهاب ممل ولا إيجاز مخل.
انطلقت من أن الحرية بالنسبة للكاتب بمنزلة الروح بالنسبة للجسد، ومن دونها يقع الموت لا محالة، وبذا لا مقايضة على الحرية بأى شىء آخر تحت أى ظرف، بل إن وجودها مهم لكل الأشياء، المادية والمعنوية.
إن تعريفات الحرية فاقت المائتى تعريف، واختلفت باختلاف الأمكنة والأزمنة والأيديولوجيات، لكن جميعها بيّنت أن الحرية السلبية تعنى غياب القيود وانتفاء الإكراه المادى والمعنوى، بينما تعنى الحرية الإيجابية حصول الفرد على حقوقه وامتيازاته.
إن من سمات الحرية القدرة على الاختيار، والخصوصية، وتمكن الإنسان من تحقيق أهدافه، وهناك شروط للحرية لا بد من توافرها، منها الوعى والاستقلال المادى للفرد، حيث لا حرية لجائع ولا كرامة لعريان، وغياب الإكراه، وانتفاء الظروف التى تمنع اتخاذ قرار حر، وامتلاك الفرد لوسائل القوة التى تمكنه من أن يصل إلى ما يريد. ويمكن تقسيم الحريات إلى ثلاث، وهى: حرية التفكير، وحرية التعبير، وحرية التدبير. أما الحرية السياسية فتتطلب حق الشعب فى اختيار الحاكم ونوع الحكم، وعدم استئثار فرد بالقرار، وإزالة كل أنواع التمييز بين أبناء الشعب، وأن يكون الفرد آمناً على حياته وكرامته وماله، وأن يكون له الحق فى إبداء رأيه السياسى. وهناك أربعة جدران تقف دون تحررنا فى العالم العربى، الأول بفعل السلطة السياسية فى استبدادها، والثانى بسبب تجار الدين فى فرضهم الوصاية على الناس وإرهابهم وتكفيريهم وقتلهم، والثالث يتعلق ببعض العادات والتقاليد الجامدة والمتخلفة، والرابع هو ما فى أنفسنا من قيود ذاتية ليس بوحى الضمير إنما بوحى الخوف.
إن البعض يعتقد خطأ أن الثورات مسئولة عن الفوضى، ولو أنه أمعن النظر سيجد أن الانفجار جاء نتيجة الكبت الطويل والعميق المسئولة عنهما أنظمة الحكم المستبدة، لا يعنى هذا أن الحرية هى التفلُّت بل هى مقيدة باحترام حريات الآخرين فى عقائدهم وأفكارهم، والمهم أن يتم التعبير عن هذا سلمياً وعبر الحوار، والعلاج يكون بتعميق فهم الحرية وليس بتقييدها.